للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن قال بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد موته (١) أولى بالمسألة والطلب منه في حال حياته الدنيوية، وأنَّ ما جاز طلبه (٢) في الحياة يطلب منه بعد الممات، فقد فتح باب الشرك والتنديد، وصدف عن توحيد الله العزيز الحميد، لأن هذا هو قول الصابئة المشركين، ومذهب الجاهلين الأميِّين؛ بل صريح كلام هذا المعترض: أن الميت يسأل مما أعطيه، وأنه بيده يفعل ما يشاء من عطاء ومنع. وجمهور المشركين لم يقولوا هذا؛ وإنَّما قالوا: إنَّ الميت المعظم يقربهم إلى الله زلفى، ويشفع لهم عنده فهو واسطة على زعمهم. وأما المعترض فجعل ذلك من جنس ما يسأله الميت ويطلب منه في حال حياته، لا على سبيل الوساطة، بل كما يسأل الملاك ما بأيديهم.

فالرجل وصل إلى حد أحجم دونه أكثر المشركين، ولم يقتحموه خوف الشناعة والضلالة.

وحينئذٍ فيقال: هذه دعوى- وهي الطلب من الأموات ما يطلب منهم في الحياة- دعوى كبيرة غليظة، ليست كغيرها من الدعاوى، فيحتاج مدعيها إلى ما يثبتها من الأدلة الشرعية، والقوانين المرضية، والسيرة السلفية، وأما المقاييس الفاسدة فلا تفيد هنا، وقد قال بعض السلف: (ما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس) ، وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره، وهذه سنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسيرة الخلفاء المهديين وأهل القرون المفضلة، أي آية وأية سنَّة، وأي عالم من أهل القرون


(١) "بعد موته" ساقطة من (ق) .
(٢) في (ق) زيادة: "منه".

<<  <  ج: ص:  >  >>