البشرُ يهوى الجمال ويتوخاه في آثار الطبيعة كما يتحراه في آثار الفكر، فالأول يبدو في آثار الكون وما فيه من تنوع وانسجام. والثاني ينبثق من العقل ويبرزهُ الفنُّ.
يرى أحدنا منظراً حسناً فيروقُهُ جملة لكنه يغفل عن دقائقه، فإذاً صورة مصور حاذق وأسبغ عليه من فنه ما يوائمه من ألوانه ويلائمه من ظلال برز لنا في غاية الرواء والجمال.
ويمر الملأ بأشجار الصفصاف على ضفاف النهر فلا يفطنون إلى ما يكمنُ فيها من جمال حتى يصفها الشاعر بقوله:
وتُرخي علينا للغصون ذوائباً ... يسرحها كف النسيم بلا مشط
ولما شاهد أحمد شوقي مغاني دمشق وما يكتنف برداها من أفنان وارفةٍ وأطيار ساجغة ومناطر ساحرة أخذته هزةُ الطرب وأضفى عليها من روعة فنه ودقة وصفه ما أكسبها بهاء على بهاء وجمالاً على جمال فقال:
دخلتها وحواشيها زمردة ... والشمس فوق لجين الماء عقيانُ
جرى وصفق يلقانا بها بردى ... كما تلقاك دون الخلد رضوان
والحور في دمر أو فوق هامتها ... حور كواشف عن ساق وولدان
وربوة الواد في جلباب غانية ... الساقُ كاسيةٌ والنحر عريانُ