وفي المثال الثاني إثبات وجوب عدم الضرب ومنع جوازه.
الإيجاز والإطنابُ
كانت العرب توجز تارة وتسهب تارة. ولكل من النوعين مكان يليق به وموضع يحسن فيه. فالاقتضاب يكون عند البداهة. والإطناب يكون يوم الغزارة. وسئل أبو عمرو بن العلاء: هل كانت العرب تطيلُ؟ قال: نعمْ، ليسمع منها. وسئل: هل كانت توجز؟ قال: نعم، ليحفظ عنها. ومدارُ الأمر على الإفهام والتفهيم، وخير الكلام ما شاكل الزمان.
الإيجاز: هو تأدية المعنى بعبارة ناقصة عنه فرب قليل يغني عن الكثير. وهذا الباب دقيق المسلك، لا يرتقي إليه إلا ذوو الفصاحة والزّكن. قال أحد النقاد:"أحسن الكلام ما كان قليلة يُغنيك عن كثيره ومعناه في ظاهر لفظه".
ومن فوائد الإيجاز حسن التخير ودقة التفكير وتقريب الفهم وتسهيل الحفظ. وأكثر ما يوجد الجيد منه في آي الذكر الحكيم وحديث الرسول الكريم وخطب البلغاء، وأقوال الحكماء وفي أمثالهم السائرة، قال تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} ، وقال:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} ، وقال:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} ، وفي الحديث الشريف:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". ومن كلام الإمام علي:"قيمة
كل امرئ ما يحسنُ". ومن كلام أكثم بن صيفي:"الصدق منجاة والكذب مهواة، والحزم مركب صعبً والعجز مركب وطيء. آفة الرأي الهوى، من شددَ نفر ومن تراخى تألف. رب قول أنقذ من صوْل". ومن أقوال البلغاء: "المرء بأصغريه قلبه ولسانه. حسبك من شر سماعه. أنجز حر ما وعد. الشرط أملك عليك أم لك. من صدقت لهجته وضحت حجته. الليل أخفى للويل. القتل