انتهى ما نقلته من الفوائد مضافاً إليها ما تستعذب به موارده الهنيّة، وهذه الأبيات مما جرى بها القلم، وتطفلت بها على حضرة مولانا شيخ الإسلام، وإنَّما أثبتها لما اشتملت عليه من ذكر بعض مناقبه، الشريفة بل على وفق ما قيل:
ما إن مدحت مُكمّلاً في ذاته ... لكنْ مدحت مقالتي بصفاتهِ
وإلا فالحال كما يقال:
لو أن في بابه للنظم مفخرة ... ألّفتُ في مدحه ألفاً من الكتبِ
لكنه البحر في كلّ الفنون فما ... إهداء در إلى بحر الأدبِ؟
وفي اليوم السادس من شهر رجب الفرد، برزت صرَّة الحرمين في موكب لطيف، وكان يوماً مطيراً وبالنسبة إليّ يوماً عبوساً قمطريراً.
وقد هاج لي شوق ليثربَ ليتني ... قضيتُ ولا يقضى عليّ بُعادها
فيا رب جُد لي قبل موتي بقربها ... ففي حبّها لعيني سُعادها
وهو يوم مشهود، ووقت معهود، يجتمع له البادي والحاضر، وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامر وفي ذلك اليوم حصل لأبناء الحرمين ومن هو في زيهم من الإهانة أقل ما يستوجبون، وذلك لازدحامهم على الصدقات، وكانت تأتي إليهم الدراهم بعد التفاصيل بالجمل، وطالما قال جود السراي لكلّ حاتم هذه التي لا ناقة لك فيها ولا جمل وكم أنشد لسان حالها في بهجة جمالها:
للهِ كم حال امرئ معدم ... قضيت في الروم بتنفيسهِ
ودرهم ولّى ولكنّه ... قد أخذ الأجر على كيسهِ
فسبحان من قام على التناقض ملكه، وجرت بخفيّ تدبيره نيرات أفلاكه، كما سبحت باللطف في بحار حكمته فُلْكُه، وما زلت مقيماً بها إلى العشرين والتردد
شعاري، والتعهد دثاري، وأنا في تلك الحال، على إثر تمني المحال:
أقطع الوقت بالرجاء وناهي ... ك بقلب غذاؤه التعليلُ