اخضرار العود، فإذا فارق منبته استعدّ للوقود، ولا يزال المرء حسن الظن في نفسه، قليل التفحص عن رؤية حدسه، يتستَّر بالمحال، على غير العلم بالحال:
والمرءُ تلقاه مضياعاً لفرصتهِ ... حتى إذا فات أمرٌ عاتبَ القدرا
فها أنا أستغرق تارة في الجهل والطيش، فأراني في لذة العيش، وتارة تلاحظني بقايا العناية، فأعلم أني من الجهل في غاية، فمن شاهدني قال الجنون فنون، ومن تحققني أنشدني كأن لم يكن بين الحجون:
فليت أيّامَ هذا الدَّهر تمدحني ... ببيتِ شعرٍ قديمٍ سارَ في الناسِ
وفي الناس من يرضى بميسورِ عيشهِ ... ومركوبهُ رجلاهُ والثوبُ جلده
ولكن قلبا بين جنبيّ ما له ... مدى ينتهي بي في مرام أحده
وقال:
وكانت على الأيامِ نفسي عزيزةٌ ... فلما رأيت صبري على الذلِّ ذلتِ
فقلت لها يا نفسُ موتي كريمةً ... فقد كانت الدنيا لنا ثم ولتِ
هذا وشريف النفس هو الذي لا يرى الدنيا لها ثمناً، ولا يرتضيها لنفسه سكناً، حيث لم يبسطها الباري تعالى إلا اختياراً، ولم يقبضها إلا اختباراً، على أنها كزيارة ضيف، وسحابة صيف.