فلا أنا من هوى الفيحاءِ خالٍ ... ولا ممّن أحبُّ قضيتُ دَيني
وقال:
أقول غداً أفوز ببعضِ سؤلي ... فيأتي في غدٍ مالا أشاءُ
فيا للهِ من عكس الليالي ... مقاصدي التي فيها الثناءُ
ولما وقفت على الجملة بالتفصيل، وتحققت أن الآمال سوّفت بالأباطيل، أغمضت عما هو بيد الزمان، وقبّحت للنفس ما كان قد زان، وقد نبذت المرام إليه، وقلت: خذه غير مأسوف عليه، فَسَخَتْ النفس بما زاد على الزاد، ولم يبق لي من الأماني سوى الرجوع إلى أوطاني، وقد تجاوزت من التمنِّي حده، وما فاتني شيء سوى الحظِّ وحده.
وإذا نظرتَ إلى الوجودِ بعينهِ ... فجميعُ ما في الكائنات مليحُ
ولكن أين أنا من تلك المعاهد، وبماذا أتوصّل لمشاهدة هاتيك المشاهد، وقد حالت من دونها تلك البحار، وأحوال هاتيك المفاوز والحِرار:
كيف الوصولُ إلى سعاد ودونها ... قللُ الجبالِ ودونهن حتوفُ
الرجل حافيةٌ ومالي مَرْكبٌ ... والكفُّ صِفْرٌ والطريق مَخوفُ
ولا أقول هذه رحلة تشدُّ إليها الرحال، حيث لم تسفر بمحاسنها عن وجوه الرجال، فيا ناظراً إلى ما جرى به القلم، من تسطير المشقِّة والألم، ليس من شِرعة العقل سُرعة العَذْل، فإن من عيّر شخصاً ابتليَ بدائه، ومن حكم الأقضية فقد أزرى برأيه، وإنَّما هذه نَفْثَة مصدور، جواباً لسؤال مُقدّر أو مذكور، حيث الأيام فُرص مغتنمه، وغصَص مقسمه، نسائمها سمائم ومغنمها مغارم.
هي الدنيا تقول بملء فيها ... حَذارِ حَذارِ من بطشي وفتكي
ولا يغرركم مني ابتسامٌ ... فقولي مضحكٌ والفعل مُبكِي
وما حال من فارق الحياة ونأى عنها، وكان في الجنة فأخرج إلى النار منها، وقد دَهَمَت بشهب صروفها الليالي، وذلك وِفاق من كانت السعادة في يديه فلم يصنها غير مبالٍ.
عجباً لمثلي وهو يبصر رشدَهُ ... في الأرضِ كيفَ تقلبت حالاتُهُ