فما زلت أسير به وأنا معه أسير، وما زال يسير بي والطرف منه حسير:
أسير مثل أسير وهو يعرُجُ بي ... كأنَّه نازلٌ ينحط من درجِ
فإن رماني على ما فيه من عرج ... فما عليه إذا ما متُّ من حرجِ
وقال:
وقد كان مركوبي أعزّ خيولهم ... وأكرمهم إذ كان وافي الشرائطِ
وكنتُ عليه مطمئناً وثابتاً ... كأنّي منه راكب فوق حائطِ
ثم أقمنا على بلدة السلطان السيد غازي، وهي بلدة آهلة المغاني، بديعة المعاني، سميت باسم فاتحها في سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وقبره على الجبل المطل عليها، وعليه مدرسة عظيمة، وحولها منازل عامرة بسكانها.
ثم أتينا على ينكي خان ومعناه الخان الجديد، وهو من بناء الوزير خسرو باشا، عمّره سنة تسع وثلاثين وألف، وحوله منازل حدثت بحدوثه. ثم أتينا على بياض وهي قرية قوية البرد والأهوية، وذلك لكثرة الثلج على جبالها، وشدةّ أخلاق رجالها.
ومن العجائب أن أقيم ببلدةٍ ... يوماً وأسلمُ من أذى أحوالها
قال البصير: الثلج ما تصاعد من البحر إلى كرة الزمهرير ليكون مطراً، فتنعكس عليه الرياح الباردة، فينعقد ويسقط في البلاد البعيدة عن الشمس كالدقيق، وهو بارد في الثالثة يابس في الثانية، ونفعه في الحُمَّيَات الحارة، والحكّة وضعف المعدة عن الحرّ، ويسمن الحيوان غير الإنسان.
والثلجُ في الرومِ قد شاهدتُ موقعه ... كأنَّه القطن يهوي وهو مندوفُ
وقال:
انظر إلى وسط البسيطة أبيضاً ... لم تبد فيه شامة سوداءُ
كَرُمَ السحابُ فعمَّ بالثلج الثرى ... إن الكريم له اليد البيضاءُ
تقي الدين السبكي:
أقول للسرو إذ كساه ... ثلج بدا نوره وأنهج
زمُرد أنت في لُجين ... فقال أبهى سناً وأبهج
ثم أتينا على قرية تسمى بلاوضون وهي كثيرة الخيرات، بها الأشجار