المؤتلفة، والأزهار المختلفة. ثم أتينا على آق شهر ومعناه قرية بيضاء، وقد اخضلَّت في أرجائها الأشجار، وتغنَّت على أغصانها الأطيار، وفيها جدول ماء يدور بشوارعها، وبالقرب من خانها جامع جمع المحاسن، وهو بناء الوزير حسن باشا وتاريخه غيط، ولها تربة معمورة، وقبورها مبنية بالأحجار المخدومة كمقابر الروم.
وما ينفعُ الإنسانَ بنيان قبرهِ ... إذا كان فيه جسمهُ يتهدّمُ
وفيها ضريح الخواجة ناصر الدين صاحب التفسير، المتوفى سنة ست وثمانين وثلاثمائة، والعامة تزعم أنه جحا الذي يضرب أمثاله في الجد والهزل، وهو من فزارة وكنيته أبو الغصن. قيل: كان يحفر بظهر الكوفة، فقيل له: مالك؟ قال: دفنت دراهمي هنا وما أهتدي إليها. فقيل: كان عليك أن تعلّمها. قال: قد فعلت. قيل: ماذا؟ قال: كانت عليها سحابة تظلها. والحكايات عنه لا تكاد تضبط كثرة، كذا في المستقصى. ورأيت في بعض التعاليق أنه كان فاضلاً ماجناً، وقد عمل الناس على لسانه كثيراً من النكت والنوادر، كما عملوا على لسان المجنون، ولابن أبي اليمن الغفاري مؤلَف في ذلك، يشتمل على ألف ورقة. حُكِيَ عنه أنه سئل مرة عن القيامة فقال: بموتي تقوم.
حُكي أن الزهراء بنية من عجائب الدنيا أنشأها أبو المظفر عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الملقب بالناصر، أحد ملوك بني أمية بالأندلس، بقرب قرطبة في أول سنة مائة وخمس وعشرين، ومسافة ما بينهما أربعة أميال وثلث ميل، وطول الزهراء من الشرق والغرب ألفان وسبعمائة ذراع، وعرضها من القبلة إلى
الجنوب ألف وخمسمائة ذراع، وعدد السواري التي فيها أربعة آلاف سارية، وعدد أبوابها يزيد على خمسة عشر ألف باب. وكان الناصر المذكور يقسِّم جباية الأموال ثلاثاً، فثلث للجند، وثلث مدّخر، وثلث ينفقه على عمارة الزهراء، وكانت