فبالجُورِيّ إن هي كاثرتنى ... قنعتُ أنا ببستان النقيبِ
رأيت بها الأبيض اليقق والأسود الحالك، والأصفر الفاقع، ورأيت بها أنواعاً من الأزهار العطرة، وأما المأكول فهو فيها على ضروب مختلفة، وأما قلعتها فهي من عجائب القلاع في حسن الأوضاع.
قال القزويني: ولها نهر تيار يأتيها من جهة الشمال يقال له قويق بالتصغير، فيخترق أرضها، ولها قناة مباركة تخترق شوارعها ودورها وحمّاماتها، وماؤها عذب فرات، ولها القلعة الراسخة يقال في أساسها ثمانية آلاف عمود، وهي ظاهرة الرؤوس بسفحها، وأبناؤها أهل السماحة والجود.
حُكيَ أن شخصاً كان بها يقال له طاهر بن محمد الهاشمي مات أبوه وخلف مالاً كثيراً، فأنفقه على الشعراء والزوّار، فقصده البحتري وقد أعدم، فلما قدم إلى حلب قيل إنه قعد في بيته لديون ركبته، فاغتمَّ لذلك وبعث المدحة إليه مع بعض مواليه، فلما وصلته بكى وأمر غلامه أن يبيع داره، فقال له: تبيعها وتبقى على رؤوس الناس!؟ فقال: لا بد من ذلك. فباعها بثلاثمائة دينار وكتب معها:
لو يكون الحِباءُ حسب الذي أن ... تَ له عندنا محلُّ وأهلُ
لحثيتُ اللجينَ والدّرّ واليا ... قوت حثواً وكان ذاك يقلُّ
والأديبُ الأريبُ يسمحُ بالعذ ... رِ إذا قصّر الصديقُ المقلُّ
فلما وصلت إلى البحتري رَدَّ الدنانير وكتب معها:
بأبي أنت، أنت للبرِ أهلٌ ... والمساعي بعد وسعيك قبلُ
والنوال القليلُ بكثيرٍ إن شا ... ءّ مرجِّيك والكثير يقلُّ
غير أني رددتُ برِّك إذ كان ... رباً منك والربا لا يحلُّ
وإذا ما جزيتَ شعراً بشعرٍ ... قُضي الحقُ والدنانير فضلُ
فلما عادت الدنانير إليه ضمَّ إليها خمسين أخرى، وحلف أنه لا يردها عليه، فلما وصلت إلى البحتري أنشأ يقول:
شكرتكَ إن الشكر للعبدِ نعمة ... ومن يشكر المعروفَ فالله زائده