لكل زمانٍ واحدٌ يقتدى بهِ ... وهذا زمان أنت لا شكَّ واحدُه
انتهى من النوادر المأنوسة في أخبار حلب المحروسة:
ليس العطاءُ من الفضولِ سماحةٌ ... حتى تجود وما لديك قليلُ
ومنها ما يُحكى أن شاعراً قصد الجواد الأفضل وكانت له أيام يحتجب فيها، فصادف أيام الاحتجاب فكتب في رقعة:
ماذا أقول إذا رجعتُ وقيل لي ... ماذا رأيتَ من الجواد الأفضلِ
إن قلتُ أعطاني كذبتُ وإن أقلَّ ... بخل الجوادُ بمالهِ لم يَجْمُلِ
فاختر لنفسكَ ما أقول فإنني ... لا بدَّ أخبرهم وإن لم أُسألِ
ثم طوى الرقعة وجعلها في قصبة وختمها بشمع وأرسلها في قناة تسير بين يدي الجواد، فلما وصلت إليه ونظر فيها، أمر له ببدرة مال وكتب معها هذه الأبيات:
عاجلتنا فأتاك عاجلُ برّنا ... قِلاً ولو أمهلتنا لم نقللِ
فخذ القليلَ وكن كأنّك لم تسل ... ونكون نحن كأننا لم نُسألِ
فلما خرج الخازن ودفع إليه المال قال الشاعر:
يا أيها المولى الذي ... أضحى وليس له نظيرُ
لو كان مثلكَ آخرُ ... ما كان في الدنيا فقيرُ
ويحكى أن رجلاً قصد سيف الدولة وقد عمّ القحط، واشتدت الأزمة وقلّ المسعِد، واستوى المُقِلّ والمُكْثِر، والغني والمعسر، فكتب إليه رقعة وكان له إلى الفضل ميل، وله على أهله أيادٍ طويلة الذيل، وهذه صورة الكتابة: لقد عرضت فاقة أسقطتْ رداء الحياء عن منكب الحريّة، وأنطقت لسان التعفّف على خلاف العادة بالمسألة، وأحوجت أهل الصيانة إلى تحمّل ذلك الابتذال، وقد وقع في النفس أن في رأفة مولانا وبِرّه ما يكشف ضَرّاً، ويستوجب على الأبد حمداً وشكراً.
فامننْ بما يغني ويثمرُ دائماً ... حمداً يدومُ على مدى الأيامِ
فلما وقف على ذلك وقع منه بموقع، فأرسل على يد غلام ما دفع الحاجة، فكتب على يد الغلام: