شكرَتْك عنَّي كلُّ قافيةٍ ... تختالُ بين المدحِ والغزلِ
فلقد ملأتَ بما مننتَ بهِ ... كفَّ الرجاءِ ومنتهى الأملِ
فلما وقف على ذلك طرب له وقال: هذا الرجل أهل للإحسان إليه، فاستدعاه وأغدق عليه بلطائف برّه.
وهكذا المجدُ إن صحّت قواعدُه ... ليس التكحّلُ في العينينِ كالكُحلِ
أقول: خَفِّضْ عليك، فلو أتيت بألف مجلّد، فيها أخبار مائة ألف جواد، لم تجد من يجود عليك بسماع قصة من تلك القصص، إلا على توهِّم أنّه أخف، فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين. وما أعجب ما قال:
لا تمدحنَّ ابن عباد وإن هطلتْ ... كفّاهُ بالجودِ حتى أخجل الدِيَما
فإنها خطراتٌ من وَساسهِ ... يعطي ويمنعُ لا بخلاً ولا كرما
ومن محاسن الشهاب الحلبي:
شوقي شديدٌ إلى لقياكِ يا حلبُ ... من نازح شفّه في بعده النصبُ
فلاعِج الشوقِ قد أودى تضرّمهُ ... وهذه المهلكاتُ الوَجْدُ والوَصَبُ
إن كان منك محبٌ قد نأى فلهُ ... قلبٌ لديكَ لما قد ناله نَحِبُ
يا بلدة ألبستني بالبها حُللا ... من الفخارِ سقى أرجاءكِ السحبُ
حيّاكِ هاطلُ مُزْنٍ جاد وابلهُ ... واعشوْشَبَ الروضُ واخضرت بكِ القُضُبُ
ولا عداك من الخيراتِ وافرها ... فرَبْعُ واديك رحبٌ يانعٌ خصِبُ
ولي لديكِ أخلاءٌ وإن هجروا ... فشخصُهم في سويدا القلبِ منتصِبُ
أفديهم أسرة عالٍ مقامهم ... قد زانَهم في الورى الإفضالُ والحسبُ
بيضُ الوجوهِ كرامٌ ما لفخرهم ... حدٌّ وشأنهم الإكرام والأدبُ
فأقمت في ربعها المنيع، وجنينا من ينيعها المريع، في رياض تسلسلت جداول مياهها، وقصور تزين الأفق بنجوم سمائها، مع إخوان الصفا وخُلان الوفا.