على الدهر أن يأتي بنظيره، وكم طمح لهذه الإمارة طامح، وسرح لخدمتها سارح، فافتضِح بقصوره وتقصيره، وكيف لا وهو الجامع لأشتات الفضائل، والحريّ بقول القائل:
أتته الإمارة منقادة ... إليه تُجَرْجرُ أذيالها
ولو رامها أحدٌ غيره ... لزُلْزِلت الأرضُ زِلزالها
فلم تَكُ تصلح إلا له ... ولم يَكُ يصلح إلا لها
وهو مولانا المقر العالي الأمير محمد بن الأمير فرّوخ باشا، خلَّد الله تعالى رواق سيادته بدوام دولة أيامه، وأبَّد سرادق سعادته على مرور الدهور وتوالي أعوامه، ولا زالت كتائب النوائب بعوادي نقمه إلى أعدائه مبعوثة، وغرائب الرغائب بغوادي نعمه إلى أوليائه محثوثة.
آمين آمين لا أرضى بواحدة ... بألف آمين في ألفين آمينا
ولم أزل في تلك الديار العمادية، التي أقول فيها بلسان الحال:
دار العماد فرط شوقي لها ... يَجِلُّ أن يذكر بين العبادِ
ما راقَ طرفي بعدها منزلٌ ... لأنّها في الحسنِ ذاتُ العمادِ
فلما كان اليوم الثاني والعشرون برزنا من تلك الديار، إلى حيث تسوقنا الأقدار:
فمن لي بقلبي إذ رحلت فإنّني ... مخلّف قلبي عند من فضلُه عندي
ولو فارقتْ روحي إليه حياتَها ... لقلتُ أصابتْ غير مذمومة العهدِ
فآهاً على تلك الديار العمادية وأوقاتها، وحفظاً لتلك الوجوه التي لشمس المكارم ضوء على جبهاتها، وفي السلامة من أكدار الغربة، والعَوْدُ إلى تلك المنازل الطيَّبة التربة، ما يسلو به الفؤاد، ويروق مدى الآباد.
فهل درى البيتُ أنِّي بعد فرقتهِ ... ما سرتُ من حرم إلا إلى حرمِ
فمررنا بالكسوة، وهي على ثلاثة عشر ميلاً من دمشق، وفيها يمكث الحاج.