أتينا على خان ذي النون وفيه شكل حصار، ويطبخ فيه شوربا بسلق لجميع الحجّاج. ثم أتينا على الصنمين، وهي من قرى حوران، فصعدنا منزلة رأس الماء، وما ألطف ما قال:
سقى الله أرضاً طَوْقها مثل طَرْزِها ... وساترها بُرْد من الوشي أخضرُ
تذكرت أحبابي بمثوى بريدها ... فعينيَ رأس الما وجسمي المغيّرُ
وخواص هذا المنزل البرغش والبرغوث، قال أعرابي:
تطاول بالفسطاط ليلي ولم يكن ... بأرض الفضا ليل عليّ يطولُ
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... وليس لبرغوث عليّ سبيلُ
ولابن ميمون ملغزاً فيه:
ومعشر تستحل الناس قتلهم ... كما إستحلوا دم الحجاج في الحَرَمِ
إذا سفكت دماً منهم فما سفكت ... يداي من دمه المسفوك غير دَمَي
ثم أتينا على المزيريب وهو وادٍ به قلعة، وعندها بحرة ماء ينتهي ماؤها إلى جسر الجوامع فيما يقال، وأصله من عين تنبع من شمال القلعة على نحو نصف ميل، وما ألطف ما قال:
لقد قابلتنا بالعجائب بحرة ... مكمّلة الأوصاف بالطول والعرضِ
كأنّ الذي يرنو إليها بطرفه ... يرى نفسه فوق السما وهو في الأرضِ
والمزيريب مجتمع الحجاج، وفيه الأسواق العامرة بما يحتاج إليه الركب، بل بما يتِّجر به، وفي هلال ليلة ذي القعدة يوقد ما في الوادي من الدكاكين، ألفاً ونحوه، وتعرف بالوقدة، وتوقد الشموع والمشاعل في الركب، وتكون ساعة عجيبة.
ولما كان الصباح رحلنا وأتينا على وادي القديم، ويعرف بالمفرق، لأن الحجاج إذا رجعوا تفرقوا فيه، وهو مسيل كثير الزَلَق وحوله قرى وضياع.