الناس ولم يبق إلا عظامهم، وبلغت البيضة ديناراً، وأردب القمح مائة دينار، ثم انعدم حتى حكى صاحب المرآة أن امرأة خرجت من القاهرة ومعها مُدّ جوهر فقالت: من يأخذه بمثله من البر؟ فلم يلتفت إليها أحد!!
وفي سنة سبع وتسعين هبط النيل فاشتد الغلاء والوباء، وتفرق الناس وتمزقوا كل ممزق، وكان الرجل يذبح ولده، فتساعده أمه على طبخه، وكان الرجل يدعو صديقه ليضيفه فيذبحه ويأكله، وفعل ذلك بالأطباء وكثُر الفناء. قال الذهبي في العبر فلو قال القائل مات ثلاثة أرباع الإقليم لما أبعد.
وقال العماد الأصفهاني: في سنة كذا اشتد الغلاء وامتد البلاء وحدثت المجاعة وتفرقت الجماعة، وهلك القوي فكيف بالضعيف، وتساوى المبتذل والعفيف، وخرج الناس حذر الموت من الديار المصرية، وتفرقوا في الأقطار الحجازية والشامية، ولقد رأيت الأرامل على الرمال، والجمال باركة تحت الأحمال.
وفي سنة أربع وسبعمائة ولدت كلبة أربعين جرواً، وأحضرت بين يدي السلطان فتعجب من ذلك وسأل المنجمين فلم يجيبوا عن ذلك.
وفي سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة رسم للأشراف بالديار المصرية والشامية، أن
يسموا عمائمهم بعلامة خضراء تمييزاً لهم عن الناس، ففعل ذلك، وفيه يقول ابن جابر الأندلسي صاحب البديعية وشارح الألفية في النحو:
جعلوا لأبناءِ الرسول علامة ... إن العلامة شأن من لم يشهرِ
نور النبوة في جمال وجوههم ... يُغْني الشريف عن الطراز الأخضرِ
وقال الشمس الدمشقي:
أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر بأعلام على الأشرافِ
والأشرف السلطان خصصهم بها ... شرفاً ليفرقهم من الأطرافِ
وقال طاهر الحلبي:
ألا قل لمن يبغي ظهور سيادة ... تملكها الزهر الكرام بنو الزهرا
لئن نصبوا للفخر أعلام خضرة ... فكم رفعوا للمجد ألوية حمرا
وفي سنة عشر وثمانمائة ولدت جاموسة ببلبيس مولوداً برأسين وعنقين وأربع