على الماء وحالوا بينه وبين الحسين. ونادى منادياً: يا حسين لا ترى الماء حتى تموت عطشاً. ثم إن عمر كتب إلى ابن زياد: أما بعد فإن الله تعالى قد أطفأ النائرة، وجمع الكلمة، وقد أعطاني الحسين عهداً أن يرجع إلى المكان الذي أتى منه، أو أن يسير إلى أي ثغر شئنا، أو أن يأتيَ يزيد فيضع يده في يده. فكتب إليه أما بعد، فإني لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه، ولا لتمنّيه، ولا لتعقد له عندي شافعاً، أعرض عليهم النزول على حكمي، فإن أبوا فقاتلهم ومثِّل بهم، فإنهم لذلك مستحقون، فإن قُتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنه عاق شاق ظلوم. فلما أتاه الكتاب ركب إلى الحسين وقال له: جاء الأمر بكذا، ثم إن عمر خرج فيمن معه، والحسين في أصحابه.
في موقفٍ وقفَ الحِمامُ عليهم ... في ضنكة واِستحوذَ اِستحواذا
فأخذ عمر سهماً ورمى به وقال: اشهدوا أنّي أول من رمى. وحمل أصحابه فصرعوا رجالاً وأحاطوا بالحسين وقاتلوه، فأدماه رجل من كندة يقال له مالك، فأخذ دمه بيده وقال اللهم إن كنت حبست عنّا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير منه، واشتدّ عطشه فدنا ليشرب، فرماه ابن تميم بسهم فوقع في فمه، فتلقى الدم بيده ورمى به إلى السماء وقال: بعد حمد الله والثناء عليه. اللهم إني
أشكو إليك ما يصنع بابن بنت نبيك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً. فأقبل شمر في نحو عشرة إلى منزل الحسين، وحالوا بينه وبين رحله، وأقدم عليه وهو يحمل عليهم، وقد بقي في ثلاثة، ومكث طويلاً من النهار، ولو شاءوا قتله لقتلوه، ولكن كان يتّقي بعضهم ببعضهم، ويحب هؤلاء أن يكفهم هؤلاء، فنادى شمر في الناس: ويحكم ما تنتظرون بالرجل؟
فحملوا عليه من كلّ جانب، فضرب كفّه اليسرى وعاتقه ابن شريك التميمي، فحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس النخعي فطعنه بالرمح فوقع، وقال لخولة الأصبحي احتز رأسه، فأرعد وضعف، فنزل إليه وذبحه وأخذ رأسه فدفعه إلى خولة وسلب الحسين ما كان عليه حتى سراويله، وانتهبوا متاعه وما على النساء، وصنعوا ما صنعوا وما عسى أن نقول؟