(وأما المشهد) فقال المقريزي: إن الأفضل ابن أمير الجيوش خرج في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة إلى البيت المقدس، ولما دخل عسقلان أخرج رأس الحسين من مكان دارس، فعطّره وحمله إلى القاهرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وبنى بها ذلك المشهد الذي يشهد له بالإحسان، وكان الذي نقله إلى عسقلان من دار السلاح سليمان بن عبد الملك، ولما تكامل البناء حمل الرأس على صدره، وسعى به ماشياً إلى أن أحله في مقره، فكان كما قيل:
وضعوهُ في جَدَثٍ كأن ضريحهُ ... في قلبِ كلّ موحدٍ محفورُ
فيه السماحةُ والفصاحةُ والتقى ... وترابُ تربة قبرهِ الكافورُ
وفي هذا المجال قال من قال:
عجباً لهذا الدهرِ في أفعالهِ ... رأسٌ بمصر وجثة في كربلا
يا قلب إن لم تعتبر مما ترى ... في الكونِ من تصريفهِ كرُّ البلا
وقد اعتنيَ الدهر بهذا المشهد، وصاروا لله المنة من أحسن عمارات مصر، وعلى التربة رباط في غاية المحاسن، ومرتّبات يؤدى واجبها. ولهذا المشهد يوم من السنة وهو يوم عاشوراء، وفيه يقول البوصيري:
كل يومٍ وكل أرضٍ لكربي ... منهم كربلا وعاشوراء
وهو يوم تجديد الأحزان، وتغيير وجه الزمان، ولو لم يكن فيه إلا إحياء سنة أكثروا من ذكر هاذم اللذات وإن أعرضت عن ذلك نفوس همتها قتل المذكور بقتل الذكر، إذ ليس في يدها غير ذلك. ولقد قيل: