للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقصص: ضرب من ضروب الأدب، ونوع من أنواع العبر، يصغي إليه السمع وترسخ عبره في النفوس البشرية كما قال الله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١).

[الحكمة من تكرار القصص]

س: ما الحكمة من تكرار القصص في القرآن الكريم؟

ج: الحكمة من ذلك، أن القرآن الكريم يشتمل على كثير من القصص التي تتكرر في غير موضع منه. فالقصة الواحدة يتعدد ذكرها في القرآن الكريم وتعرض في صور مختلفة في التقديم والتأخير والإيجاز والإطناب وما شابه ذلك. مع أن السبب واحد، ومن حكمة هذا نورد ما يلي:-

أولا: بيان بلاغة القرآن العظيم في أعلى مراتبها، فمن خصائص البلاغة إبراز المعنى الواحد في صور مختلفة، والقصة المتكررة ترد في كل موضع بأسلوب يختلف عن الآخر، كما تصاغ القصة في قالب غير القالب الأول، ولهذا لا يمل الإنسان من تكرارها، بل تتجدد في نفسه معان لا تحصل له بقراءتها في المواضع الأخرى.

ثانيا: قوة الإعجاز. فإبراز المعنى الواحد في صور متعددة مع عجز العرب البلغاء عن الإتيان بصورة منها مع بلاغتهم أبلغ في التحدي.

ثالثا: الاهتمام بشأن القصة لأنها محببة إلى النفس وتمكين لعبرها في نفس المستمع لأن التكرار من طرق التأكيد وعلامات الاهتمام. كما هو الحال في قصة موسى عليه

السلام مع فرعون، لأنها تمثل الصراع بين الحق والباطل غاية التمثيل. علما بأن القصة لا تتكرر في السورة الواحدة مهما كثر تكرارها وإنما تتكرر في كل موضع بأسلوب يختلف عن الآخر، وذلك مما يشد انتباه القارئ والسامع لها في كل موضع من مواضعها.

رابعا: اختلاف الغاية التي تساق من أجلها القصة، فتذكر بعض معانيها الوافية بالغرض المطلوب منها في مقام كما تبرز معاني أخرى في سائر المقامات حسب ما


(١) سورة يوسف عليه السلام آية رقم ١١١.

<<  <   >  >>