ج: اختلف في أول ما نزل من القرآن المجيد على أقوال كثيرة. أحدها وأصحها جميعا قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) وقد روى الشيخان وغيرهما عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء- أي الجلوس وحده بعيدا عن الناس- فكان يأتي غار حراء فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة رضي الله عنها فتزوده لمثلها، حتى فاجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فيه فقال: اقرأ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ حتى بلغ ما لَمْ يَعْلَمْ فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ترجف بوادره) الحديث. والأدلة على هذا كثيرة. هذا هو القول الأول.
أما القول الثاني في أول ما نزل من كتاب الله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ روى الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت جابر بن عبد الله (أيّ القرآن أنزل قبل؟ قال: يا أيها المدثر، قلت: أو اقرأ باسم ربك، قال: أحدثكم ما حدثنا به رسول الله صلّى الله عليه وسلم: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (إني جاورت بحراء، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي، فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي، ثم نظرت إلى السماء فإذا هو: (يعني جبريل) فأخذتني رجفة، فأتيت خديجة فأمرتهم فدثرونى، فأنزل الله: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ).
والقول الثالث في أول ما نزل من كتاب الله تعالى: سورة الفاتحة: جاء في الكشاف: ذهب ابن عباس ومجاهد إلى أن أول سورة نزلت اقرأ، وأكثر المفسرين