ج: القسم هو تحقيق الخبر وتوكيده. وذلك مثل قوله تعالى: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ فقد جعلوا ذلك قسما وإن كان فيه إخبار بشهادة لأنه لمّا جاء توكيدا للخبر سمّي قسما. ولقد أفرده ابن القيم في مجلد أسماه التبيان.
والقسم إما أن يكون من الله تعالى وإما أن يكون من المخلوق.
فالقسم من الله تعالى معناه إما أن يكون للمؤمن وإما أن يكون للكافر. فإن كان للمؤمن، فالمؤمن مصدّق بمجرّد الإخبار من الله تعالى من غير قسم. وإن كان لأجل الكافر. فالكافر لا يفيده القسم. وقد أجيب بأن القرآن نزل بلغة العرب والعرب من عادتهم القسم إذا أرادت أن تؤكد أمرا.
وقد قال أبو القاسم القشيري بأن الله ذكر القسم لكمال الحجة وتأكيدها، وذلك لأن الحكم بواحد من اثنين. إما الشهادة وإما القسم. ولذلك ذكر الله تعالى في كتابه الكريم النوعين حتى لا يبقى للناس على الله حجة. وقد قال الله تعالى جل شأنه: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ وقال تعالى:
قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ.
وجاء عن بعض الأعراب أنه لمّا سمع قول الحق سبحانه وتعالى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ* فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ صرخ وقال: من ذا الذي أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين.
والقسم لا يكون إلا باسم معظّم. وليس هناك من هو أعظم من الله تعالى.
ولقد أقسم الله تعالى بنفسه في القرآن المجيد في سبعة مواضع. الموضع الأول منها ما ذكر أنفا. والثاني قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ والثالث قُلْ بَلى وَرَبِّي والرابع قوله فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ والخامس قوله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ والسادس في قوله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ والموضع السابع والأخير في قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ.