للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي موضع يسألون، وفي موضع آخر لا يسألون).

وهناك آيات ظاهرها اختلاف، مثل قوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وقوله:

فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. فقد حمل الشيخ أبو الحسن الشاذلي الموضع الأول على التوحيد ودليله في هذا قوله تعالى: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

والموضع الثاني على الأعمال وقيل: إن الثانية ناسخة للأولى.

ومما يظهر فيه اختلاف قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً مع قوله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فالآية الأولى تفهم إمكان العدل، والثانية تنفيه.

والجواب هنا: أن الآية الأولى في توفية الحقوق، والثانية في الميل القلبي وليس هذا في مقدور العبد.

ثالثها: الاختلاف في جهتي الفعل: وذلك في مثل قوله تعالى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وقوله: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وهنا أضيف القتل إليهم والرمي إليه صلّى الله عليه وسلم على سبيل الكسب والمباشرة، ونفاه عنهم وعنه باعتبار التأثير.

رابعها: الاختلاف في الحقيقة والمجاز: ويتضح ذلك من قوله تعالى: وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى أي أنهم سكارى من الأهوال مجازا، وليس من الشرب حقيقة.

خامسها: اختلاف بوجهين واعتبارين: ويدل على ذلك الاختلاف قوله تعالى:

الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ مع قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فقد يظن أن الوجل خلاف الطمأنينة وجواب ذلك: أن الطمأنينة تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد، والوجل يكون بالخوف من الزيغ والذهاب عن الهدى، فتجل القلوب لهذا، وقد جمع الله تعالى بينهما في قوله جل شأنه: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ. ونكتفي بهذا القدر من الأمثلة حيث أن هذا المختصر لا يتحمل أكثر من هذا.

واعلم أن اختلاف القرآن الكريم ليس تناقضا. بل إن بعضه يوضح البعض الآخر، ولا

<<  <   >  >>