وفي قوله: وعرفت الإنعام بالخلع، ومن تكفل في مواقف المناظرة بطي لسانها تكفلت له المملكة بأن يزهى بطيلسانها، وأحلته من سواد الخلع في خلعة إنسانها.
وفي قوله في وصف ليل: في ليل كموج البحر، له أنجم كحبب النهر، وقد حشر الهموم وحشدها وهدى ضوالها وأنشدها. فأقول لما تمطى بصلبه: قطع الله صلبك، ومتى أرى عمود الصبح وقد عجل الله عليه صلبك.
وفي قوله: واطلعت شرف الأربعين وما تركت شرف العشرين، وقلت للنفس: أنساني نيسان ما تشرين لتشرين.
وفي قوله: وأوحشني قوله: إني بعثت بالكتاب مرتادا ومستأذنا، وكيف ترى في معشر طلبته بالحقوق لأستاذنا، ووجدت ريح كتبه وروح قربه فرجعنا إلى العادة وعادت أيامنا، وصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا، وعاودنا المنى وما كانت تخطر وإن خطرت فإنها كلا منى.
كذا يكون اللزوم حسنا، وكذا تكون الفصحاء لسنا، لا ما أورده ابن الأثير من الحشف، وساقه من الغث الذي مجه السمع وما ارتشف.
وقد اتفق لي في اللزوم أبيات ثنى، لا بأس بإثبات شيء منها هنا.
قلت:
أدعوك يا موجد الأشياء من عدم ... وصانع العالم العلوي والأرضي
إن كنت تعرض يوم الحشر لي عملا ... فلا تقدّر له طولا على عرضي
وقلت أيضاً:
يا ساحبا ذي الصبا في الهوى ... أبليته في الغي وهو القشيب
فاغسل بدمع العين ثوب التقى ... ونقّه من قبل عصر المشيب
وقلت أيضاً:
وجدت في عشرة صحبي أذى ... لما لزمت البيت في الوقت زال
يا عجبا من أشعريّ غدا ... يحمد رأي الناس في الاعتزال
وقلت أيضاً:
إن اللطافة لم تزل ... عند الأكابر فاشيه
أرأيت عمرك في الورى ... طرفا رقيق الحاشيه
وقلت أيضاً:
لا ترع للملاّق عهدا ولا ... تصغ لما نمّقه واختلق
فأنت تدري ما جنته يد الر ... امي على الطير برعي الملق
وقلت أيضاً:
أتاني وقد أودى السهاد بناظري ... يمزق جنح الليل بارق فيه
فقلت له: يا طيّب الأصل هكذا ... أخذت الكرى مني وعيني فيه
وقلت أيضاً:
إن عيني مذ غاب شخصك عنها ... يأمر السهد في كراها وينهى
بدموعٍ كأنهنّ الغوادي ... لا تسل ما جرى على الخد منها
وقلت أيضاً:
فدّيت حبيبا ضرّج الحسن وجهه ... فصبّ على خديه ذوب عقيق
إذا عاين الروض المدبّج خدّه ... يقول لنا هذا أخي وشقيقي
وقلت أيضاً:
أنفقت كنز مدائحي في ثغره ... وجمعت فيه لكل معنى شارد
وطلبت منه جزاء ذلك قبلةً ... فأبى وراح تغزلي في البارد
وقلت أيضاً:
وقف القضيب لقده لما مشى ... وجرت دموع العين في تحصيله
رشا كساه الحسن منه حلةً ... جاءت بجملتها على تفصيله
وقلت أيضاً:
قالوا وقد مادت بغصن النّفا ... أسرفت في الحب بلا فائده
فقلت منهوم الهوى لم يكن ... يشبع إن لذت له المائده
وقلت أيضاً:
لما تناءيت عنكم ... ما زال عنّي عنائي
ولو قفلت إليكم ... فتحت باب الهناء
وقلت أيضاً:
كن كيف شئت فإن قد ... رك قد غلا عندي وعزّا
مات السلوّ تعيش أن ... ت أما رأيت الصبر عزّى
وقلت أيضاً:
له في خده آيات حسنٍ ... وليس لعقدها في الحب فسخ
وريحان العذار له حواشٍ ... على نار لهما بالروح تسخو
وقلت أيضاً:
يا عجبا من معشر سكرهم ... أثبتهم في عالم المحو
وكل كأس شمسه أشرقت ... ويومهم عارٍ من الصحو
وقلت أيضاً:
رشأٌ سار بقلبي ... وأنا أشكر سيره
فسبى صبري لمّا ... لم يجد القلب غيره
أقول: إنني ما أثبت هذه الأبيات لما فيها من اللزوم ولا بد فإن ذلك إنما جاء فيها ضمنا وتبعا، وإنما أثبتها لما فيها من التورية. وذلك ظاهر لمن تأمل مواضعها.