تملّك قرطه والقلب مني ... فصار له بذاك الخافقان
وقول ابن سناء الملك من مرثية:
أوسعت فيك الدهر عتبا مؤلما ... فأجابني بالبهت والبهتان
قلبي يحاسبه على إجرامه ... ويعدها بأنامل الخفقان
وما أحسن قول القاضي الفاضل أيضا:
وقد خفقت راياته فكأنها ... أنامل في عمر العدو تحاسبه
وقول معين الدين بن تولوا:
لم أنسه إذ قال أين تحلّني ... حذرا عليّ من الخيال الطارق
فأجبته: قلبي فقال تعجبا: ... أرأيت عمرك ساكنا في خافق
وهو مأخوذ من قول:
وسكنت قلبا خافقا ... يا ساكنا في غير ساكن
وما أحسن قول السراج الوراق:
يا ساكنا قلبي ذكرتك قبله ... أرأيت قبلي من بدا بالساكن
وجعلته وقفا عليك وقد غدا ... متحركا بخلاف قلب الآمن
وقول شمس الدين محمد بن التلمساني:
يا ساكنا قلبي المعنّى ... وليس فيه سواه ثان
لأي معنى كسرت قلبي ... وما التقى فيه ساكنان
هذا المعنى، رأيت جماعة من أهل العصر قد لهجوا به واستحسنوه، وهو فاسد، وذلك أن القلب وعاء للساكنين، والظرف غير المظروف، والقاعدة ان الساكنين إذا التقيا كسر الثاني منهما، وإذا كسر قلبه فليس بعجيب لأنه غير الساكنين وليس واحدا منهما، فما لإنكاره عليه معنى، فتأمل ذلك يظهر فساده.
ومن معنى قول معين الدين بن تولوا قول ابن سناء الملك، ولكنه سلك به مسكا آخر حيث قال:
من كل محتكم الأجفان يخرجنا ... من أرض سلوتنا في الحب ساحره
يأوي إلى خافق القلب الشجيّ به ... فاعجب لمن وكره في الحب طائره
وقوله:
يا طائر الحسن الذي وكره ... قد حلّ من قلبي في طائر
وقوله أيضا:
وطائر حسنٍ طار قلبي بحسنه ... فيا عجبا من طائرٍ وكر طائر
ومن هذا قول ابن قلاقس وقد وصف المركب:
ونحن في منزلٍ يسري بساكنه ... فاسمع حديث مقيمٍ بيته غاد
ومما قلته في خفقان القلب:
لما رقدت أتى خيالك بغتةً ... فغدا فؤادي خافقا يتموّج
لو أنّ صحبي شاهدوني في الكرى ... والقلب يرقص في الخيال تفرجوا
ومن قولي أيضا:
حسبي الذي ألقاه فيك من الجفا ... وعلى الصحيح فبعض ذاك كفاني
فانظر إلى قلبي إذا قابلته ... يا غصن كيف يطير بالخفقان
[أحسن ما قيل في الخمر وكأسها]
قال: وكذلك جاء قول بعض المغاربة في الخمر وكأسها، وهو:
ثقلت زجاجاتٌ أتتنا فرّغا ... حتى إذا ملئت بصرف الراح
خفّت فكادت أن تطير بما حوت ... وكذا الجسوم تخفّ بالأرواح
وهذا معنى مبتدع، أشهد أنه يفعل بالعقول فعل الخمر سكرا، ويرق كما رقت لطفا ويفوح كما فاحت نشرا.
أقول: هما لأبي علي إدريس اليماني، وأصل المعنى لابن المعتز حيث قال:
وزنّا الكأس فارغةً وملأى ... فكان الوزن بينهما سواء
ولكنه زاده مبالغة، وهي أن الكؤوس استفادت بالخمر خفة، ثم إنه أراد لذلك مثالا في الخارج فلم يجده إلا في الروح والجسم.
ومثل هذا قول الخوارزمي:
رأيتك إن أيسرت خيمت عندنا ... لزاما وإن أعسرت زرت لماما
فما أنت إلا البدر إن قلّ ضوءه ... أغبّ وإن زاد الضياء أقاما
أخذ المعنى في الأصل من قول إبراهيم بن العباس الصولي في ابن الزيات:
يعرف الأبعد إن أثرى ولا ... يعرف الأدنى إذا ما افتقرا
ولما أراد أن يضرب لذلك مثالاُ في الخارج، لم يجده إلا في القمر وضوئه. وهكذا حال إدريس اليماني مع ابن المعتز.
ولابن حميدس هذا المعنى بعينه، فإنه قال:
وكاس نشوان فيها الشمس بازغةٌ ... باتت تديم إلى الإصباح لثم فمه
تخفّ ملأى وتعطي الثقل فارغةً ... كالجسم عند وجود الروح أو عدمه
وقال أيضاً:
جسامٌ تجمّع شربه لذاتنا ... وعقولنا بالسكر منه تبدّد
ويخف ملآنا ويثقل فارغا ... كالجسم يعدم روحه أو يوجد