أقام ولم يبرح مكانا ثوى به ... على أنّه أضحى يدور على الكعب
وإن كان الشيء يذكر بالشيء، فما أحلى قول القائل ملغزا في دملج:
إلى النساء يلتجي ... وعندهنّ يوجد
الجسم منه فضّةٌ ... والقلب منه جلمد
[مناقشة الصفدي لابن الأثير]
[في تعليقه على لغز في حمام]
قال: ووجدت لبعض الأدباء لغزا في حمام: ثم إنه ذكره وقال بعد الفراغ منه: وهذا من فصيح الألغاز، ولا يقال في صاحبه إنه في العمى ضائع العكاز.
أقول: ما السجعة الثانية مناسبة للأولى في المدح والتقريظ، وما كانت السجعة تريد إلا أن يقول بعدها: ولا أنه في الحيوان معدود من البهائم لأنه انفرد بالنطق وامتاز.! وما رأيت من قرظ أحدا بمثل هذا التقريظ ويكون المقام مقام استحسان وثناء ومدح فيقال: ما هو في العمى ضائع العكاز. وأي مدح في هذا وقد جعله أعمى بعكاز، وهو أشد حالا من الأعمى الذي يمشي بلا عكاز. لأن الذي يعتمد مع عماه على عكازه، يكون قد جمع بين عمى البصيرة وعمى البصر. والظاهر أنه أراد أن يذكر المعمى فما اتفق له، والتزم بالزاي فما وجد غير العكاز، وآخر هذه السجعة عجز بيت لأبي الطيب. وهو:
ويرى أنّه البصير بهذا ... وهو في العمي ضائع العكّاز
[من أقوالهم في الحمام]
وعلى ذكر الحمام فلا بأس بذكر شيء من كلام المتأخرين في هذا الموطن وإيراده.
كتب القاضي محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر رحمه الله تعالى يستدعي إلى حمام: هل لك أطال الله بقاءك إطالة تكرع في منهل النعيم، وتتملى بالسعادة تملي الزهر بالوسمي والنظر بالحسن الوسيم في المشاركة في جمع بين جنة ونار، وأنواء وأنوار، وزهر وأزهار، قد زال فيه الاحتشام وكل عار ولا عار.
نجوم سمائه لا يعتريها أفول، وناجم رخامه لا يغيره ذبول، تنافست العناصر على خدمة الحال به، تنافسا أحسن كل فيه التوصل إلى بلوغ مآربه فأرسل البحر ما جسده حسده من زبده، لتقبيل يد أخمصه إذ قصرت همته عن تقبيل يده، ولم ير التراب له في هذه الخدمة مدخلا، فتطفل وجاء وما علم أن التسريح لمن جاء متطفلا، والنار رأت أنه عين مباشرتها وأنها بفرض خدمته لا تخل ولأن لها حرمة هداية الضيف في السرى، وبها دفع القر ونفع القرى، فأعلمت ضدها الماء فدخل وهو حر الأنفاس، وغلت مراجله فلأجل ذلك داخله من صوت تسكابه الوسواس، ورأى الهواء أنه قصر عن مطاولة هذه المبار، فامسك متهيبا ينظر ولكن من وراء زجاجة إلى تلك الدار، ثم إن الأشجار رأت ان لا شائبة لها في هذه الحظوة ولا مساهمة في تلك الخلوة، فأرسلت من الأمشاط أكفا أحسنت بما تدعو إليه الفرق، ومرت في سواد العذار الفاحم كما يمر البرق، وذلك بيد قيم قيم بحقوق الخدمة، عارف بما يعامل به أهل النعيم أهل النعمة، خفيف اليد مع الأمانة، موصوف بالمهابة عند أهل تلك المهانة، لطف أخلاقا حتى كأنها عتاب بين جحظة والزمان، وحسن صنعةً فلا يمسك يدا إلا بمعروف ولا يسرح تسريحا إلا بإحسان، أبدا يرى مع طهارته وهو ذو صلف، ويشاهد مزيلا لكل أذى حتى لو خدم البدر لأزال من وجهه الكلف، بيده موسى كأنها صباح ينسخ ظلاما، أو نسيم ينفض عن الزهر أكماما، إذا أخذ صابونه أفهم من يخدمه بما يمره على جسده أنه بحر عجاج، وأنه يبدو منها زبد الأعكان التي هي أحسن من الأمواج.
فهلم إلى هذه اللذة، ولا تعد الحمام دعوة أهل الحراف فربما كانت هذه من بين تلك الدعوات فذة.
وكتب أيضاً في محضر قيم في حمام الصوفة: