أبا شجاعٍ بفارس عضد الدّ ... ولة فنّاخسرو شهنشاها
أساميا لم تزده معرفةً ... وإنما لذّةً ذكرناها
؟ حول الاعتراض قال في النوع الثامن عشر في الاعتراض بعدما أورد قول المضرب السعدي
فلو سألت سراة الحي سلمى ... على أن قد تلوّن بي زماني
لخبّرها بنو أحساب قومي ... وأعدائي فكلٌ قد بلاني
ومن ذلك قول أبي تمام الطائي:
وإنّ الغنى لي إن لحظت مطالبي ... من الشعر إلاّ في مديحك أطوع
أقول: أي شيء رآه في قول أبي تمام حتى يجعله منخرطا في قول المضرب السعدي؟، وأنا لا أعيب البيت من حيث معناه فإنه في غاية الحسن، وإنما أعيبه من حيث تراكيب ألفاظه فإنها بين تقديم وتأخير ضيعا بهجة المعنى وأذهبا طلاوته، ألا ترى أنه يحتاج إلى تقدير وهو: وأن الغنى أطوع لي من الشعر إلا في مدائحك إن لحظت مطالبي. فالمعنى في نفسه في غاية الحسن من البلاغة، والألفاظ ما كأنها إلا عقد الميزان، أو التخطيط الذي يكون في منامات الباذنجان. وما أشبه هذا البيت إلا بقول الفرزدق:
وما مثله في الناس إلا مملّكا ... أبو أمه حيٌّ أخوه يقاربه
ومثل قول أبي تمام قول شرف الدين بن الفارض:
هبي قبل يفني الحبّ مني بقيةً ... أراك بها لي نظرة المتلفّت
والتقدير فيه: هبي لي نظرة المتلفت قبل أن يفني الحب مني بقية أراك بها.
[حول الكناية]
قال في النوع التاسع عشر في الكناية وقد أورد قوله تعالى " أيحِبُّ أحدُكم أنْ يأكلَ لحمَ أَخيه مَيتا " الآية: فأما جعل الغِيبة كأكل الإِنسان لحمَ الإِنسان الآخر، فشديد المناسبة، لأنّ الغِيبة إنما هي ذكرُ مثالب الناس وتمزيق أعراضهم، وتمزيق العرض مماثل لأكل لحم من تغتابه، لأن أكل اللحم تمزيق على الحقيقة.
أقول: دعواه أن مناسبة الغيبة بأكل لحم الإنسان لأنها تمزيق عرض والتمزيق أكل، ليست بواضحة فإن تمزيق العرض من باب أكل اللحم، وهما كناية عن أمرين معقولين بأمرين محسوسين. والأحسن في مثل هذا أن يقال: لأن الذي يغتاب يذكر مثالب وارتكاب محرمات وغيرها مما يجب فيها على المغتاب الحد، ولعل ذلك الحد يكون ضرب عنق أو قطع يد أو جلد ظهر، وذلك تفصيل أعضاء وتمزيق أجزاء، فهو أشبه شيء بالأكل، لأن الأكل يفرق الأجزاء من الأجسام. ألا ترى قول السراج الوراق ما أحسنه في هذا المعنى:
وربّ شخصين قطّ ما اجتمعا ... إلاّ على هرت غائبٍ فهما
ما مرّ يومٌ إلاّ وعندهما ... لحم رجالٍ أو يولغان دما
مضمن.
وهذا التعليل أنسب، وبه يعلل تمزيق العرض أيضاً فأما قوله كتمزيق العرض، فإنه أحال على أمر يحتاج إلى بيان، وينتقل السؤال من الغيبة إليه، وبمثل هذه المناسبة التي ذكرتها أنا، لا يحتاج إلى ذلك.
قال في هذا النوع: وأما القسم المختص بما يقبح ذكره من الكناية، فإنه لا يحسن استعماله لأنه عيب في الكلام فاحش وذلك لعدم المراد من الكناية فيه. فمما جاء منه قول الشريف الرضي يرثي امرأة:
إن لم تكن نصلا فغمد نصال.
أقول: أما هذه الكناية فإنها في غاية الحسن في كون المرأة يغمد فيها ذلك العضو المخصوص وليس في بابها مثلها ولا تقبح من حيث الصناعة وتخيل المعنى. وإنما قبحها بالإضافة إلى المقام، إن كان المقام مقام تعظيم قدر المرثي، لأنها أم ملك أو بنت كبير القدر، أو أخت أمير. فإنه ليس من الأدب أن يسمع فيها قريبها هذه الكناية لتعلقها بفرجها وذكر عورتها. كما عيب على أبي الطيب قوله يرثي أم سيف الدولة:
رواق العزّ فوقك مسبطرّ ... وملك عليّ ابنك في كمال
فإنه ليس من الأدب أن يذكر أم السلطان ويقال: فوقها ممتد، فإن النفوس الكبار تأنف من ذكر عورات النساء.
ويقال: إن بعض الولاة أحضر إليه جماعة من الفساق، فأراد تأديبهم، فجعلوا يقسمون عليه ولا يزداد عليهم إلا قسوة وغلظة، وكان فيهم مخنث فقال: تنحوا يا حمير، أكذا يحلف الأمير ثم قال: يا أمير بحياة أمك، فاشتد غضبه عليه وهم يجلدونه، فقال: بحياة وجهها، بحياة عنقها، بحياة كذا بحياة كذا حتى قال: بحياة سرتها. فقال الأمير وليس بعد السرة إلا الحرة. أطلقوهم.
وما أحسن قول كشاجم يرثي أمه: