مولى تفرع من كرامٍ وجههم ... وبنانهم للمجتلي والمجتني
سادوا الأنام علا وهم من جنسهم ... ومن الحجارة إثمدٌ في الأعين
وولدت أيضاً من قول بعض العرب:
كأنّ هلاله مرآة قينٍ ... لها شطرٌ يلوح من الغلاف
فقلت في العذار:
قلت إذ قيل لي تسلّ فهذا ... صدغه قد دجا وكان ينير
هي مرآة خده غاب منها ... في غلاف العذار شيءٌ يسير
أو يعكس المعنى إلى ضده وهو في التشبيه كثير، لأن التشبيه واقع بين طرفين، شبيه ومشبه به. فإذا شبهت النجوم بالشرار جاز أن تشبه الشرار بالنجوم، وإذا شبهت البرق بالسيف، جاز أن تشبه السيف بالبرق، وإذا شبهت الهلال بالقلامة، جاز أن تشبه القلامة بالهلال.
قال ابن المعتز:
ولاح ضوء هلالٍ كاد يفضحنا ... مثل القلامة إذ قدّت من الظفر
وعكس ذلك سعد الدين ابن عربي فقال في مليح قلم أظافره:
أبعدت ظفرك وهو بعضك فالذي ... يهواك أجدر بالبعاد الأطول
فأجابني: أتظنني قلمتها ... عن حاجةٍ، لا بل لمعنىً عنّ لي
لأريك يا من بالهلال يقيسني ... أنّ الهلال قلامةٌ من أنملي
وما أحسن قول الحسن بن إبراهيم النطري في المقص والأنامل والقلامات والأظفار:
ما عاملٌ يحكي إذا استعملته ... وأعانه خمسٌ بهنّ يدور
صقرا يصيد أهلّةً يلمعن من ... أعلى بدورٍ تحتهنّ بحور
وعكست أنا قول بعضهم في الورد:
كأنّ احمرار الورد والطلّ فوقه ... خدودٌ توالى فوقها الدمع بالوكف
فقلت من أبيات:
أقسمت ما سجعت ورق الحمائم في ... روضٍ على مثل عطفيها ولا صدحت
وكلما اعتدلت بالميل قامتها ... رأيتها فوق حسن الغصن قد رجحت
وما اكتسى خدّها من لؤلؤٍ عرقا ... لكنها وردةٌ بالطل قدر رشحت
وعكست أيضاً التشبيه الوارد في قوله تعالى " وهي تجري بهم في موج كالجبال " فقلت:
قد ركبّنا على البريد لمصرٍ ... بحر رملٍ عجاجه عجّاج
فعكسنا التشبيه لما جرينا ... في جبالٍ كأنها أمواج
ومثل هذا يسمى غلبة الفرع على الأصل، كما إذا شبهت العرجون بالهلال، والغصن بالقد، والنرجس بالعيون، والليل بالشعر والصبح بالثغر. وهو مشهور.
[فضل المتنبي في لاميته في خيمة سيف الدولة]
قال بعدما أورد أبيات المتنبي في الخيمة التي أولها:
أينفع في الخيمة العذّل
وقد ساق منها خمسة عشر بيتا: وهذه الأبيات قد اشتملت على معان عديدة، وكفى بالمتنبي فضلا أن يأتي بمثلها.
أقول: أين هذا الكلام في حق المتنبي من الكلام عند إيراد قوله:
فلا تبرم الأقدار ما هو حالل ... البيت
والإزراء والطعن على المعري لتفضيله إياه.
[هل أبدع أبو نواس في أبياته]
تدار علينا الراح في عسجدية قال بعدما أورد أبيات أبي نواس:
تجار علينا الراح في عسجديةٍ ... الأبيات الثلاثة.
وقد أكثر العلماء من وصف هذه الأبيات وهذا المعنى، وقولهم فيه إنه معنى مبتدع. ويحكى عن الجاحظ أنه قال: ما زال الشعراء يتناقلون المعاني قديما وحديثا إلا هذا المعنى، فإن أبا نواس انفرد بإبداعه.
وما أعلم أنا ما أقول لهؤلاء سوى أن أقول: قد تجاوزتم حد الإكثار، ومن الأمثال السائرة: بدون هذا يباع الحمار. وفصاحة هذا الشعر عندي هي الموصوفة لا هذا المعنى. فإنه كبير كلفة فيه. لأن أبا نواس رأى كأسا من الذهب ذات تصاوير فحكاها في شعره.
والذي عندي في هذا، أنه من المعاني المشاهدة، فإن هذه الخمر لم تحمل إلا ماء يسيرا، وكانت تستغرق صور هذا الكأس إلى مكان جيوبها، وكان الماء فيها قليلا بقدر القلانس التي على رؤوسها وهذا حكاية حال مشاهدة بالبصر.