تكاد تغرقني أمواج ظلمتها ... لولا اقتباسي سنا من وجه داوود
وقول القائد أبي عبد الله السنبسي يمدح سيف الدولة صدقة بن منصور:
ونرجسٍ خضلٍ تحكي نواظره ... أحداق تبرٍ على أجفان كافور
كأنّما نشره في كل باكرةٍ ... مسكٌ تضوّع أو ذكر ابن منصور
وقول ابن سناء الملك:
لا يرجع الكلف المشوق عن الهوى ... أو يرجع الملك العزيز عن النّدى
وقوله أيضاً:
فالوجد لي وحدي دون الورى ... والملك لله وللظّاهر
وقول ابن الساعاتي:
وجدي وان كنت الذّليل ببيضه ... وجد العزيز بكلّ لدنٍ أسمر
وقوله أيضاً:
كم وقفنا فيها مع الغيث مثلي ... ن جفونا وكّافةً وغماما
أثخنته ظبى البروق جراحا ... منهراتٍ سالت عليه ركاما
وكأنّ الغمام نقعٌ وقد جر ... رد فيه الملك المعزّ حساما
وأحسن من هذا كله قول الشيخ شرف الدين عبد العزيز شيخ الشيوخ بحماة من غزل قصيدة يمدح بها النبي صلى الله عليه وسلم:
فمن رأى ذلك الوشاح الص ... ائم صلّى على محمّد
وقول أبي الحسين الجزار يمدح جمال الدين موسى بن يغمور:
جسرت على لثم الشّقيق بخدّها ... ورشف رضابٍ لم أزل منه في سكر
ولست أخاف السّحر من لحظاتها ... لأنّي بموسى قد أمنت من السحر
وقوله أيضاً يمدح فخر القضاة نصر الله بن بصاقة:
وكم ليلةٍ قد بتّها معسرا ولي ... بزخرف آمالي كنوزٌ من اليسر
أقول لقلبي كلما اشتقت للغنى ... إذا جاء نصر الله تبت يد الفقر
وعلى ذكر المخلص، فما أحلى قول السراج الوراق:
لئن خفّ صدري للقوافي ونظمها ... ففي من وظل الجود عني مقلّص
وكم مطلعٍ حبّرته من قصيدةٍ ... يقول عيسى لي أو عسى لك مخلص
وظرف من ذم التخلص في بيت واحد حيث قال:
بينا ذوائب من يحبّ بكفّه ... حتى تعلّق لحية الممدوح
[التخلص في القرآن الكريم]
قال: وقال أبو العلاء محمد بن غانم المعروف بالغانمي: إن كتاب الله خال من التخلص. إنما هو الخروج من كلام إلى كلام آخر بلطيفة تلائم بين الكلامين، الذي خرج منه، والذي دخل إليه.
[حول أمثلة من ذلك أوردها ابن الأثير من القرآن الكريم]
ثم قال ابن الأثير: وفي القرآن مواضع كثيرة. من ذلك: وأخذ يورد ما أورده. كقوله تعالى: " واتلُ عليهم نبأَ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومِه ما تَعبدون ... " إلى آخر القصة، وغير ذلك.
أقول: الذي ذكره ابن الأثير لا يخرج عما قاله الغانمي؛ فإن القرآن جميعه متعلق بعضه ببعض، كالخروج من الوعظ والتذكير إلى الإنذار أو إلى البشارة، أو إلى أمر أو نهي أو وعد أو وعيد، إلا ما خفي تعلقه في الظاهر. والإمام فخر الدين راعي هذا في تفسيره، وتكلم على علاقة الآية بما بعدها.
وابن الأثير ما فهم كلام الغانمي ولا علم مراده، وهو أنه أراد التخلص الذي اصطلح عليه الشعراء، وهو أن يتخلص الشاعر في البيت الواحد، من غزل أو عتاب أو وصف إلى مديح. ومثل هذا لم أعلم أنه ورد في الآية الواحدة. وأما تعلق الآية بما قبلها، فما شذ من هذا إلا اليسير وذلك في الظاهر، وإلا متى تدبر الإنسان ذلك وتأمله حق التأمل، لم يجده مقطوعا إلا فيما هو معلوم الاقتضاب.
[نماذج من التخلص في إنشاء ابن الأثير]
قال: وقد جاءني من التخلصات في الكلام المنثور أشياء كثيرة. فمن ذلك ما أوردته في كتاب إلى بعض الإخوان أصف فيه الربيع، ثم خرجت من ذلك إلى ذكر الأشواق. فقلت: وكما أن هذه الأوصاف في شأنها بديعة، فكذلك شوقي في شأنه بديع، غير أنه بحره فصل مصيف وهذا فصل ربيع.