للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها تشبيهه بالسيف، قال:

أنا إن نزعت عن الغواية والصبا ... فلطالما استهوتني الآثام

أصبو سيفٌ للمشيب مجرّدٌ ... وقلت نورٌ بدا على قضبه

ومنها تشبيهه بالزهر. قال الغزي:

تألق الشيب فاعتذرت له ... وقلت نورٌ بدا على قضبه

كأن ثغر الحبيب ركّب في ... مفارقي ما أضاء من شنبه

ومنها تشبيهه بالبوم والقطاة كقول الشافعي رضي الله عنه في أبياته التي منها:

أيا بومةً قد عششت فوق هامتي ... على الرغم مني حين طار غرابها

وقال الغزي:

قطاةً في الهداية كان شيبي ... وإن سمّته نقبته غرابا

وشبهه السراج الوارق بالقرطم، وإنما حسن ذلك لأنه رحمه الله تعالى كان أشقر. فقال.

ذهب العصفر مني ... وبدا قرطم شيبي

والتي قد ملكت رق ... بي ردّتني بعيبي

وقيل لأعرابي عن الشيب: ما هذا البياض الذي في رأسك؟ فقال زبدة مخضتها الأيام وفضة سبكتها التجارب.

وما أحسن قول القاضي الفاضل رحمه الله.

إليك بعد انقضاء اللهو واللعب ... عني فلم أر بي ما يقتضي أربي

والعمر كالكأس والأيام تمزجه ... والشيب فيه قذىً في موضع الحبب

وشبه بأشياء مناسبة غير هذه، ولم أر لأحد تشبيهه بآلة الحرث، وأي مناسبة بين آلة الحرث والشيب وما وجه الشبه وليس هذا من باب تشبيه المحسوس بالمحسوس، ولا من باب المحسوس بالمعقول، وما أدري ما هو، وأما تشبيه الهرم بالحرث نفسه فجائز وأما قوله اعدام لا يسار، فمأخوذ من قول المتنبي:

وقد أراني الشباب الروح في بدني ... وقد أراني المشيب الروح في بدلي

وأما قوله ظلام لا أنوار، فمأخوذ من قول أبي تمام:

له منظرٌ في العين أبيض ناصعٌ ... ولكنه في القلب أسود أسفع

وقول أبي الطيب:

ابعدت بياضا لا بياض له ... لأنت أسود في عيني من الظلم

وما أحسن قول الغزي:

كيف لا ينفر الظباء من الشي ... ب ومن عادة الظباء النفور

أبيضٌ مظلمٌ وكل بياضٍ ... في سوى العين والمفارق نور

وأما قوله: وهو الموت الأول.. السجعة، قال محمود الوراق: الشيب إحدى الميتتين.

وقال غيره: الشيب غمام قطر الغموم.

وأما قوله: ولئن قال قوم إنه جلالة.. السجعة، فذكرت به قول بعض المتأخرين:

وقالوا شباب المرء لهوٌ وغرّةٌ ... ومن خلفه شيب الوقار ولا ريب

وأي وقارٍ لامرىءٍ عرّي الصبا ... وقدّامه شيبٌ ومن خلفه شيب

وأما قوله: وهو المملول الذي يشفق من بعده، فمأخوذ من قول مسلم ابن الوليد وقول مسلم في غاية الحسن:

الشيب كرهٌ وكره أن يفارقني ... اعجب بشيءٍ على البغضاء مودود

يمضي الشباب فيأتي بعده بدلٌ ... والشيب يذهب مفقودا بمفقود

قيل: إن المنذر بن أبي سبرة نظر إلى أبي الأسود الدؤلي وعليه قميص مرقوع فقال له: ما أصبرك على هذا القميص؟ فقال: رب مملول لا يستطاع فراقه. فبعث إليه تختا من ثياب.

ونظر سليمان بن وهب في المرآة فرأى الشيب فقال: عيب لا عدمناه وقد جاء في ترسل الفاضل ذكر الشيب فقال: فمن يطلع شرف السبعين يهبط إلى الحضيض، ومن يعمر العمر الطويل يقع في الطويل العريض وأيام المشيب كلها بيض، وما نحن ممن يصوم الأيام البيض.

وما ألطف قول ابن المعتز:

أيا نفس قد أثقلتني بذنوبي ... أيا نفس كفي عن هواك وتوبي

وكيف التصابي بعد أن ذهب الصبا ... وقد ملّ مقراضي عتاب مشيبي

وما أحلى قول:

ألا يا ساريا في بطن قفرٍ ... ليقطع في الفلا وعرا وسهلا

قطعت نقا المشيب وبنت عنه ... وما بعد النقا إلا المصلّى

ولبعض الشعراء:

ولما رأيت الشيب راءً بعارضي ... تيقنت أنّ الوصل لي منك واصل

ربما يفهم من هذا البيت غير ما قصده الناظم، فيتوهم أنه يظن أن الشيب سبب لوصاله وهو على خلاف المعهود من كلام الشعراء، فإنهم ما زالوا يقولون إن الشيب سبب نفار الغواني عن المحبين.

وما أحسن قول خالد الكاتب في هذا:

<<  <   >  >>