{بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ لِأَنَّ مُوسَى كَانَ يقول: إنه رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فقالوا: ربّ العالمينَ، وكان فِرْعَوْن أيضًا يقول: إنه ربُّ العالمينَ، فأَخرجوا ربوبيَّة فِرْعَوْن بقولهم:{رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}؛ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ وإنْ كَانَ يدّعي أَنَّهُ ربّ العالمينَ، لكنّه لَيْسَ ربَّ مُوسَى وهارونَ؛ لِأَنَّ مُوسَى وهارون يُنكرانِ رُبُوبِيَّتَه، فلذلك كَانَ هَذَا البدلُ من أحسن ما يكون فِي بيانِ المُرادِ.
وإتيانهم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ دون أن يأتوا مباشرةً بربّ مُوسَى وهارونَ، إشارة إِلَى أَنَّهُم آمَنُوا برسالةِ مُوسَى؛ لِأَنَّ مُوسَى قَالَ:{إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، ما قَالَ: أنا رسولُ ربي، قَالَ:{رَبِّ الْعَالَمِينَ}، هَذِهِ هِيَ فائدةُ البدلِ بقوله:{رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}، والترتيب هنا بين مُوسَى وهارون ترتيبٌ يطابقُ الواقعَ؛ فإنَّ مَرْتَبَةَ مُوسَى أعلى من مرتبةِ هارونَ؛ لِأَنَّ مُوسَى من أُولي العزمِ.
ولكن الترتيب اختلفَ فِي سُورَة طه:{بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى}[طه: ٧٠]، من أجل مراعاةِ الفواصلِ، وفي هَذَا دليلٌ عَلَى أنَّ القُرآنَ الكريمَ وكل كَلام فصيح قد تُراعى فيه الفواصلُ والنغماتُ، لكن فِي الأمرِ المعلومِ، فمن المعلوم أن مُوسَى أفضلُ من هارونَ، وترتيبه فِي الذكرِ لا أحدَ يَتَوَهَّمُ منه أن هارونَ أعلى منه مرتبة، فالتقديمُ له غايةٌ، ولهذا قال الرسولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ"(١).
يقول المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} لِعِلْمِهم بأنّ ما شَاهَدوه منَ العَصا لا يتأتّى بالسِّحرِ]، فلما آمنوا هَذَا الإيمانَ أَعْلَنُوه إعلانًا غيرَ مُبالينَ بما يَنْتُجُ وراءَ ذلك؛ لِأَنَّ الإيمانَ الصادقَ يَقضي عَلَى كلِّ عاطفةٍ، فعاطفةُ حبِّ النَّفسِ أمرٌ جِبِلِّيٌّ فِطْرِيّ، لكن الإيمان يَقضي عليها، ولهذا الْإِنْسَان يُعَرِّض نفسَه للهلاكِ حينما
(١) أخرجه مسلم: كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم (١٢١٨).