قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ذكر جَوابِ فِرْعَوْن لِمُوسَى:{أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}، قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{قَالَ} فِرْعَوْن لمُوسَى {أَلَمْ نُرَبِّكَ}]، فِي الآيةِ إيجازٌ، والإيجازُ عندَ البلاغِيِّين مُنْقَسِمٌ إِلَى قسمينِ: إيجاز حَذْف، وإيجاز اختصارٍ، والموْجود هنا إيجازُ الحذفِ، ولهذا قَالَ: [فأَتَيَاهُ فقالَا لَهُ ما ذُكر {قَالَ} فِرْعَوْن لمُوسَى ... ]، إِلَى آخره.
ومُوسَى لَمّا أدّى الرِّسالَةَ هُوَ وأخوه، قال فِرْعَوْن مجُيبًا لهذه الدعوة: [{أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا} فِي مَنازِلِنا {وَلِيدًا} صغيرًا قريبًا من الولادة بعد فِطامه]، هَذِهِ واحدة، {وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} يعني: أفبعد هَذَا الأمر تأتي وتدّعي أنك رسول رب العالمين؟ ! ومَعْنى ذلك أَنَّهُ ينكر ربوبيَّة فِرْعَوْن، فكأنه يقول بعد هَذهِ الأمور الثلاثة: كَانَ الأليق بك أن تأتيَ معتذِرًا، وأن تأتيَ خاضعًا؛ لأنّنا مَنَنّا عليك، ولأنك أخطأتَ علينا.
والمنّة قَالَ: [{أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا} فِي منازلنا {وَلِيدًا} صغيرًا قريبًا من الولادة بعد فِطامه]، والقصة معروفة فِي سُورَة القَصَص، أن الله تعالى أوحى إِلَى أُمِّه إذا خافتْ عليه أن تجعله فِي تابوت، وتُلْقِيَه فِي اليَمِّ، وفعلتْ؛ إيمانًا منها بوعدِ اللهِ، ثم قدّر الله