ذكر الرِّسالَة حيث قَالَ:{فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} ثمّ بَيَّن مانعًا آخرَ غيرَ التَّكذيبِ، فقال:{وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ}، قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [بقتلِ القِبْطِيّ منهم {فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ}، هَذَا خوفٌ آخرُ ناتجٌ عن معاملتِه معهم، والأوَّل خوفٌ يَتَعَلَّق بالرِّسالَةِ، فهذا خوفٌ متعلِّق بالمعاملةِ معهم، ولهذا فِي الأول قَالَ:{أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ}، ما قَالَ: أن يقتلونِ، ولا كَانَ يتصوَّر أن يُقتل إذا جاء بالرِّسالَة، ولهذا قال فِي الثَّاني:{وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} بأيِّ شيْءٍ؟ مثلما قال المُفسِّر:[بقتل القِبطيّ منهم]، وقصتُه مشهورةٌ فِي سُورَة القَصَص.
حيث إنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ رجلًا قويًّا وشديدًا، فخرج باكرًا فوجدَ فِي المدينة رجلينِ يَقتتلانِ؛ أحدهما من شِيعته من بني إِسْرَائِيلَ، والثَّاني من عدوّه: الأقباط، فاستنجدَ بِهِ الإِسْرَائِيليُّ، فوكَزَ مُوسَى القبطيَّ حَتَّى ماتَ، وفي اليوم الثَّاني خرج فوجد صاحبَه الإِسْرَائِيليّ معَ رجلٍ آخرَ، وقال له مُوسَى:{إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}[القصص: ١٨]، وأراد أن يَبْطِشَ بالعدوِّ، فظنَّ الإِسْرَائِيليُّ أَنَّهُ يريدُ أنْ يَبْطِشَ به؛ لِأَنَّهُ وَبَّخَهُ وقال:{إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}، فلمَّا تَهَيّأَ للبَطْشِ ظنَّ أَنَّهُ سَيَبْطِش به، فقال الإِسْرَائِيليُّ:{أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ}[القَصَص: ١٨ - ١٩]، - اللهُ يَكْفِيكَ شرَّ مَن تُحْسِن