لَمَّا رأى السَّحَرَة، وهم أعلمُ النَّاسِ بالسِّحرِ وآثارِه وتأثيرِه، لَمَّا رَأَوْا ما تَفْعَلُه هَذِهِ العصَا الَّتِي وَضَعَها مِن يَدِهِ وهم يُشاهِدون، عرَفوا أن الأمر لَيْسَ بسحرٍ؛ لِأَنَّ سِحْرَهم أقوى ما يكونُ من السِّحرِ وأكثره.
وكان السِّحرُ فِي ذلك الوقتِ أيضًا شائعًا، ولهذا جاءتْ آيةُ مُوسَى بشيْءٍ يُشْبِهُه؛ بنوعٍ منه، ولكن هم عرَفوا أن هَذَا لَيْسَ بسحرٍ، وأنه فوقَ طاقةِ السَّحَرَةِ، فماذا حصل؟ {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (٤٦) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}.
قال:{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ} ولم يقلْ: فسجدَ السَّحَرَةُ، كأن هَذَا السُّجود أمر اضطراريّ؛ لقوّة ما دَفَعَهم إليه، يعني: لا كأنه أمر اختياريّ، لكن لقوة الدافعِ صار كأنَّهم أُلْقُوا إلقاءً بدونِ اختيارٍ.
و{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ}(أل) للعُمومِ، يعني: جميع السَّحَرَة مع مَهَارَتِهِم ومَعْرِفَتِهِم أُلْقُوا سَاجِدِينَ لله، بدليل قولهم:{قَالُوا آمَنَّا}، وليسوا ساجدينَ تعظيمًا لعصا مُوسَى؛ لِأَنَّ تصرَيحهم بالإيمانِ دليلٌ عَلَى أَنَّهُم ساجدونَ لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} هَذَا البدلُ من أحسن ما يكون بعد الْعُمومِ