بعدَ الكفرِ مُؤمِنينَ، ولهذا قال بعضُ العلماءِ: أَصْبَحوا كفّارًا سَحَرَةً، وأَمْسَوْا شُهَدَاءَ بَرَرةً (١). وهدا صحيحٌ أَنَّهُم كانوا بَرَرَةً وأتقياءَ، وكانوا من أقوى النّاسِ إيمانًا وجِهادًا فِي سبيلِ اللهِ.
قال تعالى:{إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ}، وفي هَذَا أيضًا دليلٌ عَلَى إيمانهم بالبَعْثِ؛ لِقَوْلهِم:{إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ}، فهم مؤمنونَ بلِقاءِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُوَ من أصولِ الإيمانِ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: قوَّة إيمانِ هَؤُلَاءِ السَّحَرَةِ الَّذين تَحَدَّوْا فِرْعَوْنَ بِجَبَرُوتِهِ، وقالوا: إنه لا ضررَ علينا فيما هَدَّدْتَنَا به؛ لأَنَّنا سَنَنْقَلِبُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ وسيُعْطِينا منَ الأجرِ والثوابِ أكثرَ ممَّا فَقَدْنَا من هَذِهِ الحياةِ الدنيا، كما قال فِي سُورَةِ طه:{إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[طه: ٧٢].
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ الإيمان إذا صَدَقَ صَارَ أقوى من العاطفةِ، فَحُبُّ النَّفسِ أمرٌ فِطريٌّ، ولكن الإيمان يؤدِّي إِلَى أن ترخصَ النَّفسُ عند المرء بجانبِ دينِه.
(١) ذكره السمرقندي فِي بحر العلوم (١/ ٥٤١) عن عبيد بن عمير، وعزاه فِي في تفسير ابن كثير (٣/ ٤٥٩) لابن عباس وعبيد بن عمير وقتادة.