و {قَلِيلُونَ} تدلُّ عَلَى قِلَّة العدد، و (شِرذمة) تدلُّ عَلَى قلة القوَّة، ففيها هنا التقليلُ الكَمِّيّ والكيفيّ، فالكميّ بقوله:{قَلِيلُونَ}، والكيفيّ بقوله:(شِرْذِمَة)؛ لِأَنَّ الشرذمةَ الشَّيْءُ الَّذِي لا يُعبَأ به؛ لضعفِهِ مثلًا أو عدمِ استعدادِهِ، وما أشبهَ هذا.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[قيل: كانوا سِتَّ مئةِ ألفٍ وسبعينَ ألفًا، ومُقَدِّمة جيشه سبع مئة ألفٍ]، هَذَا نقول: لا أصلَ له ولا صِحَّة له؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أن يكون بنو إِسْرَائِيل بهذا المبلغِ الكبيرِ الَّذِي ذكَر، بل كانوا قليلينَ مُسْتَضْعَفِينَ بِمِصْرَ، حَتَّى إن فِرْعَوْن كَانَ يقتّل أبناءَهُمْ ويَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ، فليسوا إِلَى هَذَا الحدِّ بكثرةٍ، فنحنُ نقول: إن هَؤُلَاءِ وإنْ كانوا ليسوا كما وصفَ فِرْعَوْن بكونهم شِرْذِمَةً قليلينَ، لكن نعلم أَنَّهُم ليسوا بهذه الكثرةِ.
ويقول:[فَقَلَّلَهُمْ بالنظرِ إِلَى كثرةِ جَيْشِهِ]، وليس كذلك أيضًا، وإنَّما قَلَّلَهُمْ بمسامعِ النَّاسِ من أجلِ ألَّا يَتَأَخَّرَ أحدٌ، ومن أجلِ أنْ يَتَشَجَّعُوا للخروجِ، فيقول: هَؤُلَاءِ شِرْذِمَةٌ قليلونَ، فهم لُقْمَةٌ سائغةٌ لا يحتاجونَ مِنَّا كثيرَ عَناءٍ.