ثمَّ إنَّه إذا قال:{لَكُمْ} يُشْعِرُهم بأنَّ الله تَعالَى قد اعْتنَى بهم، حيثُ بَعَثَ إليهم هذا الرَّسُول، فيكون فيه هنا حَمْلٌ على أن يَقْبَلُوا رِسالته.
وقول:{رَسُولٌ} أي: من الله، وهذا معروفٌ مِن سِيَاق هذه الآيَاتِ، ومن غيرِها منَ الآياتِ الأُخرى.
وقَوْلُهُ:{أَمِينٌ} الأمين: هو مَن كَانَ مَحَلّ أمانةٍ، والرُّسُلُ - عليهم الصلاة والسلامُ- كلُّهم مَحَلُّ أمانةٍ لِرِسَالَتِهِم، كما قال الله تعالى:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام: ١٢٤].
وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[على تَبليغِ ما أُرْسِلْتُ به]، واضحٌ، فالذي ائْتَمَنَهُ على ذلكَ هو اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وفي قوله تعالى:{رَسُولٌ أَمِينٌ} إظهارٌ لِوَصْفِهِ الخاصِّ المناسِبِ لِلْمَقَامِ، وهي الرِّسالَةُ، بأمانةٍ لا خِيَانةَ فيها، لا بزيادةٍ ولا بنقصٍ.
وقد يقولُ قائلٌ: أيُّ فائدةٍ لِوَصْفِهِ نَفْسَهُ بأنه: {رَسُولٌ أَمِينٌ} وهو يُخاطِبُ قومًا قد أَنْكَرُوه، فإذا كَانوا قد أَنْكَرُوا رِسَالَتَهُ فبالأَولى يُنكِرون أمانَتَهُ؟
والجَواب: أنَّه لم يَدَّعِ أنه رَسُول أَمِينٌ فقط، ولكنه جاءهمْ بآياتٍ، فـ "مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدِ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ"(١)؛ لأن الله
(١) أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي، وأول ما نزل، رقم (٤٩٨١)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته، رقم (١٥٢).