بعضِ العُلَماء أن يكونَ دأبُهُ السَّبّ والشتم معَ خُصُومهم.
وكان ابنُ حَزْمٍ - رحِمه الله، وعَفَا عنه - شديدًا في المناقشةِ، ولو كَان يُناقِشُ بهدوءٍ لكَان أحسنَ له، وأمّا السبُّ والشَّتم في قومٍ هم مثلُه أرادوا أنْ يَصِلُوا إلى الحقّ، فهذا لا يَنبغي، ولا يَليق به، ولا يَليق بالإِنْسانِ العامِّيِّ، فضلًا عن العالِمِ، فالمقصودُ ليسَ هو التهجُّم على الشخصِ، فالمقصودُ أن يردّ على المقالةِ وتَبطُل، لكن أعداء الرُّسُل ليس عنْدَهُم ما يُقاوِمُون به ما جاءتْ به الرُّسُل، فلهذا يلجئُون دائمًا إلى السبّ والشتمِ.
ولا شكّ أنّ اتِّهامه بأنه مِن المسحَّرين كَذِب، بل هو من أعقلِ النَّاسِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ولولا أنه أعقلُ قومِهِ ما جعلَ اللهُ الرِّسالَةَ فيه:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام: ١٢٤]، فهو أعقلُهم، وأكثرُهم أمنًا، وأقواهم صَبرًا.
أما قولهم:{مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} فهذا صَحِيحٌ، لكن هذه العِلَّة غير مانعةٍ من أن يكونَ رسولًا، ولهذا قالتِ الرُّسُلُ لقومِهم الَّذينَ احتجوا عليهم بهذه الحجة:{إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[إبراهيم: ١١]، وهذا جَوابُ هذه الشُّبهة، فهي شُبهة جعلوها حُجّةً، فيُقال: وإذا كَان بشرًا مثلكم، فلا مانعَ من أنْ يَمُنَّ اللهُ عليه بالرِّسالَةِ.
وأيضاً لا يُمْكِن أن يرسِلَ اللهُ أحدًا إلى البَشَرِ إلَّا مِنَ البَشَرِ، حتى ولو جُعِل مَلَكًا كما اقترحَ لجُعِل بسُورَةِ الرَّجُل، ثم عاد الأمرُ على هؤُلاءِ مُلْتَبِسًا مُشْتَبِهًا، فلم يَستفيدوا من ذلك شيئًا.