للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالعَظَمَةُ مِن حيثُ هي مَعْنى من المعاني تدلُّ على الكمالِ والمدحِ، سواء كَان هذا في عذابٍ أو في نعمةٍ.

وقَوْلهُ: {عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} كثيرٌ منَ النَّاسِ يَتَحَاشَوْنَ أنْ يَصِفُوا المخلوقَ بـ (العظيم)، ولكن الحَقِيقَة لا وجهَ لهذا، فقد قال الله تعالى: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: ٢٣]، {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢)} [النبأ: ١ - ٢]، {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: ٧٦]، فوصَفَ اللهُ تَعالَى بالعِظَم نفسَه وكَلامَه ووحيَه، ووصفَ به أيضًا بعضَ مخلوقاتِهِ، ممّا يدلّ على أنّه لا بأسَ به.

وقد كَان النَّاسُ يَتَحاشَوْن أيضًا قَول (المُعَظَّم)، وهذا أيضًا لا يُتحاشى منه، والسَّبَبُ أنه معظَّم ليس عظيمًا، فـ (المعُظم) قد لا يكون عظيمًا، فقد يُعَظَّم مَن ليس بِعَظيمٍ، وهو أقلّ رُتبةً من العظيم؛ فإذا كَان (العَظيم) جائزًا إطلاقُه، فـ (المعظَّم) من باب أَولى.

ثم قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَعَقَرُوهَا} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [أي: عَقَرَها بعضُهم بِرِضاهم، {فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ} على عَقرها، {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} الموعود به، فهلكوا]، فهو عَلَيْهِ السَّلَامُ قال لهم: {وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ}، ولكنَّهم مَسُّوها بأسوأ السُّوء - والعياذُ بالله - فعَقَروها، والظَّاهرُ أنّ المُرادَ بالعقرِ القتلُ، وليس قطعَ الأرجُل فقطْ، بل أنّهم أَهلكوها، فعُوقِبوا بمثلِ ما جَنَوْا.

وهل أصبحوا نادمينَ على ما فَعَلُوا من ذنبٍ، أم أنَّهم نَدِموا على ما فَاتَهُمْ من مَصلحتها؟

الظَّاهر أنَّهم نَدِموا على المصلحةِ؛ لأنَّهم ما بعدُ أَتاهمُ العذابُ، فالظَّاهرُ أنَّهم نَدِموا على ما فاتَهُمْ منَ المصلحةِ الدنيويَّة؛ لأنّهم لو ندِموا على الذّنْب لكَانوا تائبينَ،

<<  <   >  >>