الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: ٤٤]، ولو أَنَّنا عَقَلْنَا - نحن المسلمينَ - وآمنَّا حقيقةَ الإيمانِ، ما كنّا بهذه الحالِ الَّتي نحن عليها، يَعْنِي: ما كنّا نخاف النَّاس أكثر ممّا نخاف الله.
فالإِنْسانُ لا بُدَّ أن يخافَ ويَرْجُو، لكن إمّا أن يخاف اللهَ أو يخاف غيرَه؛ فإن خافَ اللهَ خافَهُ النَّاس، وإنْ خاف غيرَ اللهِ استولَى عليه هذا الخوفُ، وهذا صَحِيحٌ وحقّ، فإنَّ مَن خافَ اللهَ خافَه كلّ شيْءٍ، ومَنِ اتَّقَى اللهَ اتَّقاه كلُّ شيْءٍ، والعكسُ بالعكسِ.
فعلينا جميعًا أن نكونَ واثقينَ بوعدِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - غيرَ ناظرينَ إلى الأسْبابِ الحاضرةِ، ولو نَظرنا نظرةً مادِّيَّة مَحْضَةً، لكنّا لا يُمكِن أن نَتَكَلَّم معَ هؤُلاءِ، أو أنْ نَتَحَدَّاهم في تنفيذِ الشريعةِ ومُحاربتهم، لكن يجبُ أن لا نَنْظُر إلى هذه الأسْبابِ الحاضرةِ، ويجب أن ننظرَ إلى أسْبابٍ أُخْرَى فوق المادَّة.
ولهذا مَن نَظَرَ إلى هذه الأسْبابِ - المشاهدة الطبيعيَّة - لا يَستقيمُ له أمرٌ، فالصَّحَابة - رضي الله عنهم - عِندَما جاءتِ الفُرْسُ والرُّوم لم يَنْظُروا إلى هذه الأسْبابِ، فقد كَانوا يحاصِرون المدينةَ العظيمةَ لمدَّةٍ، ثم يَخْرُجون في الصَّبَاح، فيكبّرون اللهَ، فإذا كبّروا تصدّعتِ الأسوارُ، وهذا شَيْءٌ مُتواتِرٌ في التاريخِ عنهم، أنَّهم يُحاصِرون المدينةَ مُدَّةً، ثم إذا كبَّروا اللهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - كَأنَّها صَوَارِيخ وقنابل تَصَدّع هذه الجُدران، ولكنه تكبيرٌ يَخْرُج منَ القلبِ.