ثم معَ ذلك - زيادةً على قُبحهم - أنَّهم تَرَكوا النعمةَ الَّتي خَلَقَها اللهُ لهم {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ}، فلو كُنْتُم تأتونَ الذكران من العالمينَ؛ لأنكم مُضْطَرُّونَ لذلك، وليس لكم منَ الحلالِ ما يُغْنِيكم، لكَان الأمرُ أهونَ، لكن لكم منَ الحلال ما يُغنيكم، فكيف تأتونَ الخبائثَ وتَدَعُونَ الطيِّبات؟ !
ولهذا قال:{وَتَذَرُونَ} وهي داخلةٌ في مَضمونِ الإسْتِفهامِ، يَعْنِي: وأَتَذرونَ، بمَعْنى: تتركون {مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ}، قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ:[أقبالَهن]، وهذا تفسيرٌ لِقَوْلِهِ:{مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ} يَعْنِي: تأتونَ الَّذي خلقَ لكم منَ الأزواجِ، وهو القُبُل، هذا ما ذهبَ إليه المُفَسِّر، والصَّوابُ خلاف هذا، والصَّوابُ أن (مِن) بيانٌ لـ (مَا) أي: ما خلقَ لكم ربُّكم منَ الأزواجِ، يَعْنِي: وتذرون الأزواجَ، هذا هو المَعْنى.
وفرْقٌ بينَ ما ذكرتُ وبينَ ما ذهبَ إليه المُفَسِّر، يَعْنِي: كَأنَّه يقول: تَذَرُونَ فُرُوجَ النِّساءِ، ولكن لو قال:(أتأتونَ أدبارَ الذُّكور) لكَان صوابًا، وتذرونَ فروجَ النِّساءِ، لكن لما قال:{أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ} صار المناسِب أنَّ المَعْنى: وتَدَعُونَ النِّساءَ.
لكن قال:{مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ} دونَ قَوْلهِ: {أَزْوَاجِكُمْ}؛ إشارةً إلى أن الله تَعالَى هَيَّأَ هذه الزوجةَ للذَّكَر يَتَمَتَّع بها كما يشاءُ، إلَّا فيما حرّم اللهُ مِنَ الدُّبُر مثلًا، ولهذا قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}[البقرة: ٢٢٣]، وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: ٥ - ٦] وهذا يدلُّ على إباحةِ استمتاعِ الرَّجُلِ بامرأتِهِ إباحةً مُطْلَقَةً بلا حدودٍ، ما عدا أمرينِ: الدُّبُر، والفَرْج في الحَيْض، وما سِوَى ذلك فكلُّ شَيْءٍ مُباحٌ.