أمّا إذا قَالَ: ابْعَثْ يأتوك، صار هَذَا مثلَ الشَّرطِ والجزاءِ، يعني: إنه إذا حصلَ بَعْثُكَ لَزِمَ منه النتيجةُ، وَهُوَ أنْ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ.
و(سَحَّار) هِيَ من بابِ المُبالَغةِ، أو هِيَ من بابِ النِّسبة، كما يُقال: بنّاء ونجّار وصنّاع، يعني: لِأَنَّ صنعتَه السِّحرُ، ولا يكون ذلك ولا يُنْسَبُ الْإِنْسَان إِلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إلّا إذا كَانَ مجُيدًا فيها، فلا يُقال لمِن بَنَى مرَّةً واحدةً: إنه بنّاء، ولا لمِنْ نجَر مرةً واحدةً: إنه نجّار، وإنَّما يُقالُ ذلك فيمَن أتقنَ المِهْنَةَ والصَّنعة.
إذن فالسحّارُ إمّا صيغةُ مبالغةٍ أو صيغةُ نِسبةٍ، والفرقُ بينهما ظاهرٌ؛ لِأَنَّ (سَحَّار) على مَعْنى المُبالَغة بمَعْنى كَثير السِّحر، ولكن (سَحَّار) على مَعْنى النِّسبة بمَعْنى أَنَّهُ مُتْقِن لهذه الصنعة؛ لِأَنَّهُ نُسب إليها.
والظَّاهرُ أنّ النِّسبةَ أَولى، يعني: بذي سحر قد أتقنَ هَذِهِ المهنةَ، فتكون للنسبةِ، ويُغْنِي عن المُبالَغةِ قولهم:(عَلِيم) يعني فائِق السِّحر، وقد يُقال: إن هَذَا يُغْنِي عن النِّسبةِ وإن (سَحَّار) صيغة مبالغة لكثرة سِحْرِه وإتقانه.
قال:{سَحَّارٍ عَلِيمٍ} أي سَحَّار وعليم، ولهذا قد يَتَرَجَّح أَنَّهَا للْمُبالَغةِ وتكونُ النِّسبةُ مفهومةً من قولِه:{عَلِيمٍ}.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} يَفضُل مُوسَى فِي عِلْم السِّحر]، يعني: يَزِيد عليه، فعلى هَذَا طَلَبُوا أنْ يأتوا بسَحرةٍ يفوقون مُوسَى فِي الكمّ وفي الكيفِ، وفعلًا حصلَ هذا، وأتوا بِمَهَرَةٍ سَحَرَةٍ وبعددٍ كبيرٍ، ولكن لَيْسَ الأمر الَّذِي من آيات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مثل السِّحر الَّذِي هُوَ خَيال لا حقيقةَ له.