وفي خبر آخر: أن معاوية جرت له مثل هذه الحكاية، إلاّ أنّ في خبر معاوية، قيل له: فما كنيتك؟ قال: أنا أبو الكوكب الدرىّ. قيل له: فما نقش خاتمك؟ قال: " وتفقد الطير فقال مالى لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين " قال يحيى بن الحكم الغزال:
يعرف عقل المرء في أربع ... مشيته أوّلها والحرك
ودورعينيه وألفاظه ... بعد عليهنّ يدور الفلك
وقال آخر:
طلبت الرّزق بالعقل ... من الغرب إلى الشّرق
فلم يكسبنى العقل ... سوى البعد من الرّزق
فأدبرت عن العقل ... وأقبلت على الحمق
فلم أتعب ولم أنصب ... ولم أضرع إلى الخلق
قال بعض الحكماء: من الحمق التماس الإخوان بغير وفاء، والتماس الآخرة بالرّياء. والتماس مودة النّساء بالغلظة، والتماس العلم والفضل بالدّعة والخفض.
سمع الأنف رجلا يقول: ما أبالى أمدحت أم هجيت. فقال: استرحت من حيث تعب الكرام.
وقالت العرب: استراح من لا عقل له.
وقالت الفرس: مات من لا عقل له.
أنشدني بعض شيوخي رحمهم الله:
كم كافرٍ بالله أمواله ... تزداد أضعافاً على كفره
ومؤمنٍ ليس له درهم ... يزداد إيماناً على فقره
لا خير فيمن لم يكن عاقلاً ... يمدّ رجليه على قدره
وقال آخر:
ما إن يزال يبغداد يزاحمنا ... على البراذين أشباه البراذين
أعطاهم الله أموالاً منزّلةً ... من الملوك بلا عقلٍ ولا دين
ما شئت من بغلةٍ شقراء ناجيةٍ ... أو من أتان وقول غير موزون
[باب من أجوبة الحمقى]
ومراجعة السّخفاء، وألفاظ النّوكى والجهلاء استعمل معاوية رجلاً من كلب، فذكر المجوس يوماً، فقال: لعن الله المجوس ينكحون أمهاتهم، والله لو أعطيت عشرة آلاف درهم، ما نكحت أميّ فبلغ ذلك معاوية، فقال: قبحه الله! أترونه لو زيد فعل؟!! قال أبو عبيدة: أجريت الخيل فطلع منها فرسٌ سابق، فإذا رجلٌ من النظّارة يكرّ ويثب من الفرح، فقال له رجل إلى جنبه: يا فتى! هذا الفرس فرسك؟ قال: لا،ولكنّ اللجام لجامي.
أرسل رجلٌ من بنى عجل بن لجيم فرساً في الحلبة،فجاء سابقاً،فقال لابنه: يا بنىّ! بأىّ شئ أسميه؟ فقال:ياأبت افقأ عينه وسمه الأعور. قال الشاعر:
رمتنى بنو عجل بداء أبيهم ... وأىّ عباد الله أنوك من عجل
أليس أبوهم عار عين جواده ... فأضحت به الأمثال تضرب بالجهل
قال أبو كعب القاصّ في قصصه:إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كبد حمزة ما علمتم، فادعوا الله أن يطعمنا من كبد حمزة.
وقال أيضاً في قصصه:إن اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا وكذا،قالوا له:فإن يوسف لم يأكله الذئب،قال:فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.
وتلا في قصصه يوماً قول الله عز وجل: " يتجرعه ولا يكاد يسيغه.
فقال:اللهم اجعلنا ممن يتجرعه ويسيغه.
قيل لبرذعة الموسوسر:أيّما أفضل غيلان أم معلّى؟ قال:معلّى، قالوا: ومن أين؟ قال: لأنه لما مات غيلان،ذهب معلّى إلى جنازته، فلما مات معلّى لم يذهب غيلان إلى جنازته.
رفع رجلٌ من العامة ببغداد إلى بعض ولاتها على جار له أنّه يتزندق،فسأله الوالي عن قوله الذي نسبه به إلى الزندق،فقال:هو مرجى قدرىّ ناصبيّ رافضى،من الخوارج،يبغض معاوية بن الخطاّب الذي قتل علىّ بن العاص. فقال له ذلك الوالي:ما أدرى على أي شيء أحسدك؟ أعلى علمك بالمقالات،أم على بصرك بالأنساب.
كان قوم من أهل العلم يتناظرون في أمر معاوية وعلّى،ويذكرون أبا بكر وعمر، وكان قريباً منهم رجل من العامة،ينسب إلى أنه من أعقلهم،وكان ذا سبلةٍ طويلة،فقال لهم:كم تطنبون في أمر علىّ ومعاوية وفلان وفلان!! فقال له أحد القوم:وتعرف أنت من على ومعاوية وفلان وفلان؟ قال:نعم! أو ليس هو أبو فاطمة؟ قال:ومن كانت فاطمة؟ قال:امرأة النبي صلى الله عليه وسلم بنت عائشة أخت معاوية. قال:فما كان قصة علىّ؟ قال:قتل في غزاة حنين مع النبي صلى الله عليه وسلّم.
دخل رجلٌ من العامة الجهلة الحمقاء على شيخ من شيوخ أهل العلم،فقال:أصلح الله الشيخ،لقد