فقد جد الرحيل وأنت ممن ... يسير على مقدمة الركاب
وقال محمود الوراق:
وذي حيلةٍ في الشيب ظل يحوطه ... فيخضبه طوراً وطوراً ينتف
وما لطفت للشيب حيلة عالمٍ ... على الدهر إلا حيلة الشيب ألطف
وقال محمود أيضاً:
اشتعل الشيب فأفنيته ... وكل مقراضي فأعتقته
كنت إذا استقصيت قصي له ... وقلت في نفسي أفنيته
عارضني من جانبٍ آخرٍ ... كأنني قد كنت زملته
الشيب ما ليست له حيلة ... أعياني الشيب فخليته
وله أيضاً:
يا خاضب الشيبة نح فقدها ... فإنما تدرجها في كفن
أما تراها منذ عاينتها ... تزيد في الرأس بنقص البدن
أنشدني بعض شيوخي لابن محاسن في الخضاب:
يا من يغير شببه بخضابه ... ليكون عند الغانيات وجيها
هبك المشيب أحلته عن حاله ... فغضون وجهك كيف تصنع فيها
هيهات توهمها بأنك تربها ... فإذا خلت بك كنت صنو أبيها
ولمنصور الفقيه:
هبني سترت مشيبي ... تستراً عن حبيبي
فهل أروح وأغدو ... إلا بوجه مريبٍ
وقال آخر:
صبغت الرأس ختلاً للغواني ... كما غطى على الريب المريب
أعلل مرةً وأساء أخرى ... ولا تحصى على الكبر العيوب
يقوم بالثقاف العود لدناً ... ولا يتقوم العود الصليب
وقال آخر:
فما منك الشباب ولست منه ... إذا سألتك لحيتك الخضابا
ولابن المعتز:
ماذا تريدين من جهلي وقد سلفت ... سنو شبابي وهذا الشيب قد وخطا
أروح للشعرة البيضاء ملتقطاً ... فيصبح الشيب للسوداء ملتقطا
وقد مدح ابن المعتز الخضاب فقال:
وقالوا: النصول مشيب جديد ... فقلت: الخضاب شباب جديد
إساءة هذا بإحسان ذا ... فإن عاد هذا فهذا يعود
ولمحمود الوراق:
أتفرح أن ترى حسن الخضاب ... وقد واريت بعضك في التراب
ألم تعلم وفرط الجهل أولىبمثلك أنه كفن الشباب
لقد ألزمت لهزمتيك هوناً ... وذلا لم يكن لك في الحساب
أحين رمى سواد الرأس شيب ... فغيره فزعت إلى الخضاب
فكنت كمن أطل على عذابٍ ... ففر من العذاب إلى العذاب
تهي لنقلة لابد منها ... فقد أثبت رجلك في الركاب
وقال آخر:
يا أيها الرجل المسود شيبه ... كيما يعد به من الشبان
أقصر فلو سودت كل حمامةٍ ... بيضاء ما عدت من الغربان
وقال ابن الرومي:
رأيت خضاب المرء عند مشيبه ... حداداً على شرخ الشبيبة يلبس
وإلا فما يغني الفتى من خضابه ... أيطمع أن يخفي شباب مدلس
فكيف بأن يخفي المشيب لخاضب ... وكل ثلاثٍ صبحه يتنفس
وهبه يواري شيبه أين ماؤه ... وأين أديم للشبيبة أملس
وقال محمود الوراق:
طويت عوار الشيب من فرطٍ قبحه ... بأقبح منه فافتضحت وما انطوى
وأصبحت مرتاداً لنفسك ضلةً ... وقبلك ما أعيا الفلاسفة الألى
وله أيضاً، ويروي لغيره:
يا خاضب الشيب الذي ... في كل ثالثةٍ يعود
إن النصول إذا بدا ... فكأنه شيب جديد
هذي بديهة روعةٍ ... مكروهها أبداً عتيد
فدع المشيب لما أرا ... د فلن يعود كما تريد
كان عقبة بن عامر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب بالسواد، ويتمثل:
اسود أعلاها وتأبى أصولها ... فياليت ما يسود منها هو الأصل
وقال آخر:
نصول الشيب طوقني بطوق ... يلوح على من تحت السواد
إذا أبصرته فكأن وخزاً ... بأطراف الأسنة في فؤادي
[باب جامع مختصر في الشيب والبكاء]
[على فقد الشباب]
قال منصور النمري: