وقال: بترك الفضول تكمل العقول.
وقال: فضول الكلام ما ليس في دين ولا دنيا مباحاً.
وقال: الصّمت صيانة اللّسان، وستر العيّ.
وقالوا: العيّ الناطق أعيا من العي الساكت.
وقالوا: أحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، وما ظهر معناه في لفظه.
وروى عبد الله بن عمر، أنّه قيل له: لو دعوت لنا بدعواتٍ. فقال: اللهم اهدنا وعافنا وارزقنا. فقال رجلٌ لو زدتنا يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: أعوذ بالله من الإسهاب.
وقال شفيّ بن ماتع: من كثر كلامه كثرت خطاياه.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من كثر كلامه كثر سقطه.
قال يعقوب عليه السلام لبنيه: يا بنيَّ إذا دخلتم على السلطان فأقلّوا الكلام.
قال ابن هبيرة: ما من شيء إلاّ وهو محتاجٌ إلى فضوله يوماً، إلاّ فضول الكلام.
قال الحسن: رحم الله عبداً أوجز في كلامه، واقتصر على فصاحته، فإن الله يكره كثرة الكلام.
وكان يقال: أفضل الكلام ما قلّت ألفاظه وكثرت معانيه، أخذ هذا المعنى أحمد بن إسماعيل الكاتب فقال:
خير الكلام قليلٌ ... على كثيرٍ دليلٌ
والعيّ معنىً قصير ... يحويه لفظٌ طويل
وقال أبو العتاهية:
الصّمت أليق بالفتى ... من منطقٍِ في غير حينه
لا خير في حشو الكلا ... م إذا اهتديت إلى عيونه
وقال منصور الفقيه:
تعمّد لحذف فضول الكلام ... إذا ما نأيت وعند التّداني
ولا تكثرنّ فخير الكلام ال ... قليل الحروف الكثير المعاني
قال بعض قضاة عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - وقد عزله: لم عزلتني: قال: بلغني أنّ كلامك مع الخصمين أكثر من كلام الخصمين.
تكلّم ربيعة الرأي يوماً فأكثر الكلام، فأعجبته نفسه، وإلى جنبه أعرابيّ فقال له: يا أعرابي ما تعدّون البلاغة فقال: قلة الكلام. قال: ما تعدون العيّ فيكم؟ فقال: ما كنت فيه منذ اليوم.
وأنشد الخشني - رحمه الله -:؟؟؟؟ وماالعيّ إلا منطقٌ متتابعٌ سواءٌ عليه حقّّ أمرٍ وباطله قالت العرب: لا يجترئ على الكلام إلا فائق أو مائق.
قال الّنمر بن تولب:
أعذني ربّ من حصرٍ وعيٍّ ... ومن نفسٍ أعالجها علاجا
ومن حاجات نفسي فاعصمنيّ ... فإن لمضمرات النَّفس حاجا
وقال آخر:
عجبت لإدلال العيّ بنفسه ... وصمت الذي قد كان بالحقّ أعلما
وفي الصّمت سترٌ للعيّ وإنّما ... صحيفة لبّ المرء أن يتكلّما
قال بعض الحكماء: ليس شيء إلاّ إذا ثنيته قصر إلا الكلام، فإنك كلّما ثنيته طال.
قالوا: أعيا العيّ بلاغة بعيّ، وأقبح اللّحن لحنٌ بإعراب.
كان مالك بن أنس يعيب كثرة الكلام ويذمّه ويقول: كثرة الكلام لا توجد إلاّ في النّساء والضعفاء.
ذمّ أعرابيّ رجلاً، فقال: هو من يتامى المجالس، أعيا ما يكون عند جلسائه، أبلغ ما يكون عند نفسه.
باب في اجتناب اللّحن وتعلّم الإعراب
وذمّ الغريب في الخطاب
كتب عمر إلى أبي موسى: أما بعد، فتفقّهوا في السّنّة، وتعلَّموا العربية.
وروي عنه رحمه الله أنه قال: رحم الله امرأً أصلح من لسانه.
وقال عليّ بن محّمد العلويّ:
رأيت لسان المرء رائد عقله ... وعنوانه فانظر بماذا تعنون
ولا تعد إصلاح اللّسان فإنّه ... يخبّر عمّا عنده ويبيّن
ويعجبني زيّ الفتى وجماله ... فيسقط من عينيّ ساعة يلحن
كان عبد الله بن عمر يضرب ولده على اللّحن.
قال شعبة: مثل الذي يتعلم الحديث، ولا يتعلم النحو مثل البرنس لا رأس له.
قال المأمون لأحد أولاده - وقد سمع منه لحناً -: ما على أحدكم أن يتعلم العربية فيقيم بها أوده، ويزين بها مشهده، ويفلَّ بها حجج خصمه بمسكتات حكمه، ويملك مجلس سلطانه بظاهر بيانه. أو يسرُّ أحدكم أن يكون لسانه كلسان عبده أو أمته، فلا يزال الدّهر أسير، كلمته، قاتل الله الذي يقول:
ألم تر مفتاح الفؤاد لسانه ... إذا هو أبدى ما يقول من الفم
وكائن ترى من صاحبٍ لك معجبٍ ... زيادته أو نقصه في التّكلم
لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللّحم والدَّم
وقال الخليل بن أحمد: