وروى حماد، عن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس: أن رجلاً من علماء أهل الشام وجد نعت بخت نصر وأنه غلام يتيم، وله والدة، وله ذؤابة في رأسه من أهل بابل، وأنه تقدم فسأل عنه وعن أمه حتى عرفهما بالنعت، فنزل عليهما وكان وهو غلام يسوق العجاجيل والدجاج، فقال له ذات يوم: إنك ستملك فارس والشام، فاكتب لي أماناً ولقومي. قال: ما أدري ما هذا الذي يذكر، فلم يزل به حتى قال له: اكتب أنت ما شئت، وكتب له ولقومه أماناً، فأراد أن يختمه، فلم يكن لبخت نصر خاتم فأخذ خاتم حديد من نطاق أمه فختمه، ثم أنه دخل الشام، فأتاه الرجل فحيل بينه وبينه، فقال لمقدمته: إن للملك ودخل عليه، فقال: ما تعرفني؟ قال: ما أعرفك. فقص عليه القصة وذكره، ودفع إليه الأمان. فقال: ما أدري ما هذا الذي تذكر، ورثث هذا كابراً عن كابر عن آبائي. فلم يزل به حتى أقر. فوفي له وأمنه، وقال: لا يسمع هذا منك أحد. ولما ظهر على الشام، إذ هو بدم يحيى بن زكريا يغلي، فقال: لأقتلن على هذا الدم حتى يسكن، فقتل عليه سبعين ألفاً، فجاء قاتله فقال: إن هذا الدم لا يسكن أبداً حتى تقتلني فأنا قتلته فقتله وسكن الدم، وظهر على الشام وخرب بيت المقدس وحرق التوراة، وجاء معه دانييل وميخائيل وعزير وحزقاييل ودفعهم إلى صاحب مطبخه، ثم ذكر الرؤيا وزاد فيها فيجىء بنيٌ من العرب فيغلب وينقض تلك الأوثان كلها ويكون الدين كله لله.
وقال ابن الكلبي: كان سنمار الرومي من أصنع الناس للبنيان، فبنى لبعض ملوك العرب بنياناً سر به وأعجبه، وخاف إن استبقى سنمار بني بعده مثل ذلك البنيان، لغيره من الملوك، فأمر به فرمى من فوق القصر فمات، فضربت به العرب الأمثال في سوء الجزاء، حتى قال بعضهم:
جزاني جزاه الله شر جزائه ... جزاء سنمارٍ وما كان عن ذنب
سوى رصه البنيان سبعين حجة ... يعلى عليه بالقراميد والسكب
فلما رأى البنيان تم سحوقه ... وآض كمثل الطود ذي الباذخ الصعب
وظن سنمار به كل حظوةٍ ... وفاز لديه بالمودة والقرب
فقال اقذفوا بالعلج من رأس شاهقٍ ... فذاك لعمر الله من أعظم الخطب
كتب ملك الروم إلى معاوية: إن الملوك لم تزل تراسل بعضهم بعضاً، وتجتهد أن يغرب بعضهم على بعض، أفتأذن في ذلك؟ فأذن له. فوجه إليه رجلين أحدهما طويل والآخر أيد، فقال معاوية لعمرو: أما الطويل فقد أصبنا كفؤاً له وهو قيس بن سعد بن عبادة، وأما الآخر الأيد فقد احتجنا إلى رأيك فيه. فقال: هاهنا رجلان كلاهما إليك بغيض: محمد بن الحنفية، وعبد الله بن الزبير. قال معاوية: الذي هو أقرب إلينا منهما فلما دخل الرجلان وجه إلى قيس ابن سعد فدخل، فلما مثل بين يديه معاوية نزع سراويله فرمى بها إليه فلبسها فبلغت ثندوته، فأطرق مغلوباً. وقيل لقيس في ذلك: لم تبذلت في حضرة معاوية؟ هلا فعلت غير ذلك؟ فقال:
أردت لكيما يعلم الناس أنها ... سراويل قيسٍ والوفود شهود
وألا يقولوا غاب قيس وهذه ... سراويل عاديً نمته ثمود
وإني من القوم اليمانين سيد ... وما الناس إلا سيد ومسود
وبّ جميع الناس أصلي ومنصبي ... وجسم به أعلو الرجال مديد
ثم وجه إلى محمد بن الحنفية، فدخل فخبر بما دعى إليه، فقال: قولوا له: إن شاء فليجلس وليعطني يده حتى أقيمه أو يقعدني، وإن شاء فليكن القائم وأنا القاعد، فاختار الرومي الجلوس، فأقامته، فانصرف الطويل والأيد مغلوبين.
قلت: أما هذا الخبر فمنكر ليس بصحيح، ولا له أصل لأنه يخالف أخلاق قيس ومحمد، وليس فيه كبير فائدة لمنزلتهما.
[باب جامع من المذكرات]
[مما لم يذكر في الأبواب المتقدمات]
كان يقال: المتقون سادة، والفقهاء قادة ومجالستهم زيادة - يعني في الخير.
قال عبد الله بن عباس رضى الله عنه: حلق القفا مما يزيد في الحفظ.
وقال عبد الله بن عباس أيضاً: حلق الرأس لا يصح في العقوبة، لأن الله عز وجل جعل حلق الرأس نسكاً لمرضاته.
قال عمر بن عبد العزيز: إياكم والمثلة في العقوبة: حز الرأس واللحية.