فلا تعذراني في الإساءة إنّه ... شرار الرّجال من يسئ ويعذر
وقال آخر:
وما حسنٌ أن يعذر المرء نفسه ... وليس له من سائر النّاس عاذر
وقال آخر:
هي المقادير فلمنى أو فذر ... إن كنت أخطات فما أخطأ القدر
وقال آخر:
وعاجز الرأي مضياعٌ لفرصه ... حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
وقال آخر:
إذا عيّروا قالوا مقادير قد جرت ... وما العار إلاّ ما تجرّ المقادر
قال بعض الحكماء: إياك وما يسبق للقلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره.
قال محمود الوراق:
أراني مع الأحياء وأكثري ... على الدهر ميتٌ قد تخونّه الدّهر
فما لم يمت منّى لما مات ميّتٌ ... وبعض لبعض قبل قبر البلى قبر
فيا ربّ قد أحسنت بدءاً وعودةً ... إلىّ فلم ينهض بإحسانك الشّكر
فمن كان ذا عذر لديك وحجةٍ ... فعذري إقراري بأن ليس لي عذر
وفي الأشعار في الأعتذار من الفرار قال الأصمعي: أحسن ما قيل في الأعتذار من الفرار، قول الحارث بن هشام المخزومى:
الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتّى علوا مهرى بأشقر مزبد
وعلمت أنّى إن أقاتل واحداً ... أقتل ولا يحزن عدوّى مشهدي
فصدرت عنهم والأحبّة فيهم ... طمعاً لهم بعقاب يوم مفسد
وقال خلف الأحمر: أحسن ما قيل في الأعتذار في الفرار، قول هبيرة بن أبى وهب المخزومى:
لعمرك ما وليت ظهري محمداً ... وأصحابه جبناً ولا خفية القتل
ولكنني قّلبت آمري فلم أجد ... لسيفي غناء إن ضربت ولا نبلى
وقفت فلما خفت ضيعة موقفي ... رجعت لعود كالهزبر أبى الشّبل
فر ابن مطيع يوم الحرّة، وسار إلى ابن الزبير، فلما قوتل ابن الزبير، جعل يجتهد معه في القتال، ويقول:
أنا الذي فررت يوم الحرّة ... والحرّ لا يفرّ إلا مرّة
فاليوم أجزى فرّة بكرّه ... يا حبّذا الكرّة بعد الفرّه
وقال أوس بن حجر:
أتونا فردوا حافتينا بزاعقٍ ... من الضّرب ضرم النّار في الحطب اليبس
وما بفرار اليوم عارٌ على الفتى ... إذا عرفت منه الشّجاعة بالأمس
قال الأحنف بن قيس: أسرع النّاس إلى الفتنة، أقلّهم حياء من الفرار وقال آخر:
العبد يذيب والمولى يقوّمه ... والعبد يجهل والمولى يعلّمه
إنّي ندمت على ما كان من ذلل ... وزلّة المرء يمحوها تندّمه
[باب المواعيد]
أثنى الله عز وجل على إسماعيل عليه السّلام، فقال: " إنّه كان صادق الوعد "، وقال كعب: كان لا يعد أحداً إلا أنجزه، وقال: انتظر رجلا وعده سنة كاملة.
ورى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم انتظر رجلاً وعده في موضع من طلوع الشمس إلى غروبها.
وروى عنه عليه السلام: أنه انتظره ثلاثاً، والمنتظر عبد الله بن أبى الحمساء.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجز له ما وعده، ومن أوعده على عمل عقاباً فإن شاء عذبه، وإن شاء غفر له " "، وعن ابن عباس مثله.
وقال المثنى بن حارثة لشيباني: لأن أموت عطشاً أحبّ إلى من أن أخلف موعداً.
قال بعض الحكماء: وعد الكريم نقد، ووعد اللئيم تسويف كان يحيى بن خالد يقول: المواعيد شباك الكرام يصيدون بها محامد الإخوان، ألا تراهم يقولون: فلانٌ ينجز الوعد، ويفي بالضمان، ويصدق في المقال، ولولا ما تقدم من حسن موقع الوعد، لبطل حسن هذا المدح.
وكان يحيى بن خالد، يقول: إنّ الحاجة إذا لم يتقدمها وعدٌ تنتظر نجحه، لم تتجاوب الأنفس سرورها، فدع الحاجة تختمر بالوعد، ليكون لها عند المصطنع حسن موقع ولطف محل.
ومن كلام يحيى بن خالد بن برمك أيضاً: " لا " الكريم أنجح من " نعم " الئيم، لأنّ " لا " الكريم، ربما كانت في وقت غضب، وإبّان سآمة، " ونعم " الئيم تصدر عن تصنع وفساد نيّة وقبح مآل.
أنشد أبو عمرو بن العلاء: