والدَّهر يجمع بين كلِّ مفارقٍ ... ولكلِّ ملتقيين منه فراق
وقال محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين:
مدَّت إلى البين أطرافاً مخضَّبةً ... لمَّا تولَّت وذاقت حرقة البين
وودَّعتني وما همَّت ولا نطقت ... وإنَّما ودّعت وحياً بعينين
بلى لقد أومأت نحوي بإصعبها ... إيماءةً ختلت عنها الرَّقيبين
وقال آخر:
أتذكر إذا تودِّعنا سليمى ... بعود بشامةٍ سقى البشام
يريد: تشير إلينا بمسواكها مودعة.
وقال أبوعوانة: كنت أجالس أبا العتاهية فأراد الخروج إلى مكة فودعني وقال:
إن نعش نجتمع وإلاَّ فما ... أشغل من مات عن جميع الأنام
قالت أعرابية لابن لها، وقد ودعته وهو يريد سفراً: امض مصاحباً مكلوءاً، لا أشمت الله بك عدواً، ولا أرى محبيك فيك سوءاً.
ودع أعرابي رجلا، فقال كبت الله لك كل عدوّ إلا نفسك، وجعل خير عملك، ما ولى أجلك. بيت قديم:
وكلُّ مصيبات الزَّمان وجدتها ... سوى فرقة الأحباب هيِّنة الخطب
قال محمد بن عبد السلام الخشني:
كأن لم يكن بينٌ ولم تك فرقةٌ ... إذا كان من بعد الفراق تلاق
كأن لم تؤرَّق بالعراقين مقلتي ... ولم تمر كفُّ الشَّوق ماء مآق
ولم أزر الأعراب في خبت أرضهم ... بذات اللِّوى من رامةٍ وبراق
ولم أصطبح في البيد من قهوة النَّوى ... بكأسٍ سقانيها الفراق دهاق
وقال آخر:
خليليّ إلاَّتبكيا لي أستعن ... خليلاً إذا أفنيت دمعي بكى ليا
كأن لم تكن بينٌ إذا كان بعده ... تلاق ولكن لا إخال تلاقيا
قالوا: كم بين لوعة الفراق وفرح التلاق.
[باب الزيارة والعيادة]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من زار أخاً له في الله، أو عاده، خاض الرحمة حتى يرجع وقال الله عز وجلّ له: طبت ممشاك وتبوأت من الجنَّة منزلا "، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أتاكم الزائر فأكرموه " وقال حاكياً عن الله عز وجل: " وجبت محبتي للمتزاورين فيّ والمتحابين فيّ ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأبي هريرة: " ياأباهريرة زرغبَّاً تزدد حبّاً ".أخذه الشاعر فقال:
إذا شئت أن تقلى فزر متواتراً ... وإن شئت أن تزداد حبَّاً فزد غبَّا
أنشدني أبو عثمان سعيد بن سيد، لعبد الملك بن جهور الوزير:
وقد قال الرَّسول وكان برَّاً ... إذا زرت الحبيب عزره غبَّا
وأقلل زور من تهواه تزدد ... إذا ما زرته مقةً وحبَّا
ولعلي بن أبي طالب الكاتب:
إنِّي رأيتك لي محبَّاً ... وإليّ حين أغيب صبَّا
فهجرت لا لملالةٍ ... حدثت ولا استحدثت ذنبا
إلاَّ لقول نبيِّنا ... زوروا على الأيَّام غبَّا
ولقوله من زار غبَّا ... منكم يزداد حبَّا
قال خارجة بن زيد النحوي: دخلت على محمد بن سيرين بيته زائراً له، فوجدته جالساً بالأرض، فألقى إليّ وسادة، فقلت له: إني قد رضيت لنفسي مارضيت لنفسك. فقال: إني لا أرضى لك في بيتي ما أرضى لنفسي، واجلس حيث تؤمر، فلعل الرجل في بيته يكره أن تستقبله.
قال بشار:
لا تجعلن أحداً عليك إذا ... أحببته وهويته ربَّا
وصل الخليل إذا شغفت به ... واطو الزِّيارة دونه غبَّا
فلذاك خيرٌ من مواصلةٍ ... ليست تزيدك عنده قربا
لكن يملُّك ثمَّ تدعو باسمه ... فيقول: ها، وطالما لبَّى
وقال آخر:
عليك بإقلال الزِّيارة إنَّها ... تكون إذا ما دامت إلى الهجر مسلكا
فإنِّي رأيت الغيث يسأم دائماً ... ويسأل بالأيدي إذا هو أمسكا
قال قيس بن سعد بن عبادة: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم زائراً، فوقف ببابنا.
قال ابن المعتز:
وقفةٌ في الطَّريق نصف الزِّياره
وقال آخر:
وحظُّك زورةٌ في كلِّ عامٍ ... موافقةٌ على ظهر الطَّريق