وقول سابق هذا - والله أعلم - أخذه من قول معاذ بن جبل في قوله: إذا كان لك أخ في الله فلا تماره، ولا تسمع فيه من أحد، فربما قال لك ماليس فيه فحال بينك وبينه.
تنقّص ابن عامر بن عبد الله بن الزبير عليَّ بن أبي طالب، فقال له أبوه: مهلا يا بنيّ لا تنقّصه، فإن بني مروان شتموه ستين سنة، فلم يزده الله بذلك إلا رفعة، وإن الدين لم يبن شيئاً فهدمته الدنيا، وإن الدنيا لم تبن شيئاً إلا عادت على ما بنت فهدمته.
كان يقال: المعرِّض بالناس اتقى صاحبه، ولم يتق ربه.
قال الفرزدق:
تصرَّم عنِّي ودَّ بكر بن وائلٍ ... وما خلت عنِّي ودَّهم يتصرَّم
قوارص تأتيني وتحتقرونها ... وقد يملأ القطر الإناء فيفعم
وقال يزيد بن الحكم الثقفي:
تكاشر من لاقيت لي ذا عداوةٍ ... وأنت صديقي ليس ذاك بمستوى
بدا منك غشٌّ طالما قد كتمته ... كما كتّمت داء ابنها أمُّ مدّوى
جمعت وفحشاً غيبةً ونميمةً ... ثلاث خلالٍ لست عنها بمرعوي
وقال زياد الأعجم:
إذا لقيتك تبدى لي مكاشرة ... وإن أغب فأنت الهامز الُّلمزه
ما كنت أخشى وإن طال الزمان به ... حيفٌ على النّاس أن يغتابني غمزه
وقال منصور الفقيه:
هبني تحرَّزت ممَّن ... ينمُّ بالكتمان
فكيف لي باحتراسٍ ... من قائل البهتان
وقال أيضاً:
لي حيلةٌ فيمن ينمُّ ... وليس في الكذَّاب حيله
من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتي فيه قليله
قال موسى عليه السلام: ياربّ إن الناس يقولون فيَّ ماليس فيَّ، فاجعلهم ياربّ يقولون فيما فيّ. فأوحى الله تعالى إليه: ياموسى لم أجعل ذلك لنفسي، فكيف أجعله لك.
قال المسيح عليه السلام: لا يحزنك قول الناس فيك، فإن كان كاذباً كانت حسنة لم تعملها، وإن كان صادقاً كانت سيئة عجلت عقوبتها.
[باب البغي والحسد]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مامن ذنبٍ هو أجدر أن يعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع مايدّخره له في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا حسدتم فلا تبغوا، وإذا ظننتم فلا تحقّقوا، وإذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا ".
وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ثلاثةٌ لا يكاد يسلم منهن أحد: الطِّيرة، والحسد والظَّن ". قيل: فماالمخرج منهنّ يارسول الله؟ قال: " إذا تطيرت فلا ترجع وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقّق ".
روي عن مجاهد عن ابن عبَّاس أنه قال: لو بغى جبلٌ على جبلٍ،لدكّ الباغي منهما.
أخذه الشاعر فقال:
؟ ولو بغى جبلٌ يوماً على جبلٍ ... لدكَّ منه أعاليه وأسفله
وقال آخر:
ذر البغي إنَّ البغي موبق أهله ... ولم يعدم الباغي من النَّاس مصرعا
قال عمر بن الخطّاب: ما كانت على أحد نعمةٌ إلا كان لها حاسد، ولو كان الرجل أقوم من القدح لوجد له غامزاً.
قال ابن مسعود: لا تعادوا نعم الله عزّوجل. قيل: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.
قال الحسن البصري: ليس أحدٌ من خلق الله إلا وقد جعل معه الحسد، ومن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظّلم لم يتبعه منه شيء.
وعن أنس بن مالك أنه مرّ على ديار خربةٍ خاوية، قال: هذه أهلكها وأهلك أهلها البغي والحسد، إن الحسد ليطفئ نور الحسنات، والبغي يصدِّق ذلك أو يكذبه، فإذا حسدتم فلا تبغوا. قيل للحسن: يا أبا سعيد! أيحسد المؤمن؟ قال: لاأمَّ لك! أنسيت إخوة يوسف.
قال بعض الحكماء: البغي من فروع الحسد، وأقدم الناس على البغي من جهل المعرفة بسرعة نصر الله لمن بغي عليه.
وقالوا: ثلاثةٌ عائدة على فاعلها: البغي والمكر والنِّكث.
قال الله عزوجل: " إنَّما بغيكم على أنفسكم "، وقال: " ولا يحيق المكر السَّيِّءُ إلاَّ بأهله "، وقال تعالى: " ومن نكث فإنَّما ينكث على نفسه ".
وقال يزيد بن الحكم:
إنَّ الأمور دقيقها ... مما يهبج به العظيم
والبغي يصرع أهله ... والظلم مرتعه وخيم