أليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
أخبر أخبار القرون التي مضت ... أدب كأبي كلما قمت راكع
وقال أبو النجم العجلي:
إن الفتى يصبح للأسقام
كالغرضٍ المنصوب للسهام
أخطأ رامٍ وأصاب رام
وأظنه أخذه من قول زهير:
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
وقال آخر:
من عاش أخلقت الأيام جدته ... وخانه ثقتاه السمع والبصر
وقال أعرابي:
إذا الرجال ولدت أولادها ... واضطربت من كبرٍ أعضادها
وجعلت أسقامها تعتادها ... فهي زروع قددنا حصادها
وقال عروة بن الورد:
أليس ورائي أن أدب على العصا ... فيأمن أعدائي ويسأمني أهلي
رهينة قعر البيت كل عشيةٍ ... يطيف بي الوالدان أهدج كالرأل
شبه هدجان الشيخ الضعيف في مشيه بهدجان الرأل، والرأل: ولد النعام والجميع: رئال ورئلان.
قال أبو الرجف:
أشكو إليك وجعاً بركبتي
وهدجاناً لم يكن بمشيتي
كهدجان الرأل خلف الهيقت
وقال أبو حية النميري:
وقد جعلت إذا ما قمت يوجعني ... ظهري فقمت قيام الشارب السكر
وكنت أمشي على رجلي معتدلاً ... فصرت أمشي على أخرى من الشجرٍ
وقال آخر:
إن الأمور إذا الأحداث دبرها ... دون الشيوخ يرى في بعضها الخلل
وإن أتت للشباب الغر نادرةً ... فإن أكثر ما يأتي لها الخطل
قال أبو العتاهية:
أسرع في نقصٍ امرىءٍ تمامه
وقال أيضاً:
من يعش يكبر ومن يكبر يمت ... والمنايا لا تبالي من أتت
وقال محمود الوراق:
يحب الفتى طول البقاء وإنه ... على ثقةٍ أن البقاء فناء
زيادته في الجسم نقص حياته ... وليس على نقص الحياة نماء
إذا ما طوى يوماً اليوم بعضه ... ويطويه إن جن المساء مساء
جديدان لا يبقى الجميع عليهما ... ولا لهما بعد الجميع بقاء
قال محمد بن نصر: كنت بأرض الطفاوة، إذ سمعت امرأةً تكلم أخرى من طاقٍ إلى طاقٍ فقالت لها: ما تقولين في ابن العشرين؟ قالت ريحانة تشمين. قالت فما تقولين في ابن الثلاثين؟ قالت قرة عين الناظرين. قالت فما تقولين في ابن الأربعين؟ قالت: قوى الظهر في ماء مكين. قالت: فما تقولين في ابن الخمسين؟ قالت: تعرفين وتنكرين. قالت: فما تقولين في ابن الستين؟ قالت: كثير السعال والأنين. قالت: فما تقولين في ابن السبعين؟ قالت: اكتبيه في الضارطين.
ذكر ابن الأنباري، عن ثعلب، عن ابن الأعرابي، قال: كان العرب تقول: الرجل يزداد قوةً إلى الأربعين، فإذا بلغ الأربعين اصلهب إلى الستين، فإذا جاوز الستين أدبر. وقال: اصلهب بقي على حال واحدة. وأنشد:
وفيت ستين واستكملت عدتها ... فما بقاؤك إذ وفيت ستينا
فاحتل لنفسك يا حسان في مهلٍ ... فكل يوم ترى ناساً يموتونا
وذكر أبو الحسن الأخفش، قال: أنشدني أبو العباس ثعلب لبعض حكماء العرب:
ابن عشرٍ من السنين غلام ... همه اللعب مولع بالغرام
وابن عشرين مولع بالغواني ... لا يبالي ملامةً اللوام
والذي يبلغ الثلاثين عاماً ... فضروب لدى الوغى بالحسام
فإذا جازها بعشر سنينٍ ... كان أقوى من كل قرن مسام
وابن خمسين للنوائب يرجى ولنقض الأمور والإبرام
وابن ستين حازم الرأي طب ... كامل العقل ضابط للكلام
وابن سبعين قد تولى وأودى ... وتثنى فما له من قوام
والذي يبلغ الثمانين عاماً ... ذاهب الذهن دائب الأسقام
وابن تسعين تائه قد تناهى ... إن تسعين غاية الأعوام
فإذا جازها بعشرٍ فحي ... مثل ميتٍ مودع بالسلام
[باب الوصايا الموجزة]
قال جابر بن عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بأيام يقول: " لا يموتن أحدكم إلا وهو حسن الظن بالله ".