يقال: إن الإسكندر مات وكان عمره ستاً وثلاثين سنة، هذا قول الفرس ومنهم من يقول: كان عمره ثلاثاً وثلاثين سنة، وفي قول الفرس: إنه ملك أربع عشرة سنة. وأن قتله لدارا كان في السنة الثالثة من ملكه، وزعم الروم أن ملكه كان ثلاثاً وعشرين سنة وأنه مات وعمره ثلاث وأربعون سنة وهم أعلم به، وزعموا أنه مات بشهرزور، وأنه حمل إلى الإسكندرية ودفن بها، وأقامت عليه النوائح شهوراً. وقيل: بل مات بالإسكندرية.
قال بعض الحكماء: لا تغترن بحسن الكلام وطيبه إذا كان الغرض المقصود منه ضاراً؛ فإن الذين يخدعون الناس إنما يخلطون السم بالحلو من الأطعمة والأشربة، ولا يصعبن عليك الكلام الغليظ، إذا كان الغرض المقصود إليه نافعاً؛ فإن أكثر الأدوية الجالبة للصحة مرة مستبشعة.
قيل لبعض الحكماء: أي شيءٍ أنفع الأشياء؟ قال: الاعتدال. قيل: وما الاعتدال؟ قال: هو الشيء الذي الزيادة فيه والنقص منه ضرر.
يروى أن المسيح عليه السلام قال: أمر لا تعلم متى يغشاك، ينبغي أن تستعد له قبل أن يفجأك.
[باب الرياء]
جاء رجل إلى البني صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أحب الجهاد في سبيل الله، وأحب أن يرى مكاني وموضعي، وإني أتصدق وأعمل العمل وأحب أن يراه الناس. فأنزل الله عز وجل: " فمنْ كان يرجو لقاءَ ربهِ فليعمل عملاً صالحاً، ولا يشرك بعبادةِ ربهِ أحداً ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من راءى بعمله، راءى الله به، ومن سمع بعمله سمع الله به بين خلقه وحقره وصغره ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل لي عملاً أشرك فيه غيري فهو إلى غيري، ليس لي منه شيء، وأنا منه برئ ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة، يوم يجازى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون فيهم خيراً ".
وروى في الحديث المرفوع: " الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل ".
روى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، قال: إن الملك ليصعد بعمل العبد مستفتحاً به، حتى إذا انتهى إلى ربه قال: اجعلوه في سجين، إني لم أرد بهذا. قال الأوزاعي: فما ظنك بما قد خفي عن الملك.
وروى عن النبي عليه السلام أنه قال: " أخوف ما أخاف عليكم الرياء، والشهوة الخفية، حبك أن تحمد بما لم تفعل " وقيل: بما عملت من الخير. والأول أجود. لأنه قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل: يا رسول الله! أني أعمل العمل أريد به وجه الله، ثم يبلغني أن الناس يتحدثون به فيسرني. قال: " ذلك عاجل بشري المؤمن ".
قال الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ... خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما تخفيه عنه يغيب
لهونا عن الأعمال حتى تتابع ... علينا ذنوب بعدهن ذنوب
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ... ويأذن لي في توبةٍ فأتوب
وقال آخر:
كم من مصل لا يطي ... ل صلاته لسوى الطمع
متلهيا إما خلا ... وإذا بصرت به ركع
يدعو وجل دعائه: ... ما للفريسة لا تقع
وقال الغزال:
ومراء أخذ النا ... س بسمتٍ وقطوب
وخشوع يشبه السق ... م وضعف في الدبيب
قلت: هل تألم شيئاً ... قال أثقال الذنوب
قلت: لا تعن بشيءٍ ... أنت في قالب ذيب
إنما تنبي عن الوث ... بة في حال الوثوب
ليس من يخفى عليه ... منك هذا بلبيب
قال محمود الوراق:
أيها المغرور مهلا ... فلقد أوتيت جهلا
كم إلى كم تحسن القو ... ل ولا تحسن فعلا
ظاهر يجعل والباطن لا ... يخفى على ربك كلا
وقال محمود الوراق:
تصنع كي يقال له أمين ... وما يغني التصنع للأمانة
ولم يرد الإله به ولكن ... أراد به الطريق إلى الخيانة
باب في الشيب ومدحه