للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فوالله ما قصَّرت في وجه مطلبٍ ... أرى أن فيه مطلباً فأطالبه

ولكن لهذا الرزق وقتٌ موقَّتٌ ... يقسّمه بين البريَّة واهبه

وأسهرني طول التَّفكر إنَّني ... عجبت لأمرٍ ما تقضَّى عجائبه

أرى فاجراً يدعى جليداً لظلمه ... ولو كلِّف التَّقوى لكلَّت مضاربه

وعّفاً يسمَّى عاجزاً لعفافه ... ولولا التُّقى ما أعجزته مذاهبه

وأحمق مصنوعاً له في أموره ... يسوِّده إخوانه وأقاربه

على غير حزمٍ في الأمور ولا تقىً ... ولا نائلٍ جزلٍ تعدّ مواهبه

فليس لعجز المرء أخطأه الغنى ... ولا باحتيال أدرك المال كاسبه

ولكنَّه قبض الإله وبسطه ... فمن ذا يجاريه ومن ذا يغالبه

أنشدني خلف بن قاسم، قال: أنشدنا محمد بن عبيد الله الصَّيدلانّي، قال: أنشدنا عليّ بن سليمان الأخفش:

قد يرزق الخافض المقيم وما ... شدّ بعنسٍ رحلاً ولا قتبا

ويحرم الرزق ذو المطية والرَّ ... حل ومن لا يزال مغتربا

وقال محمود الوراق:

قيامة من مات في موته ... وإخمال ما شاع من صوته

ترى المرء يجزع من فوت ما ... لعلَّ السَّلامة في فوته

ويفنى ولم تفن آماله ... وإعمال سوف إلى ليته

وكم أزعج الحرص من راغب ... إلى الصِّين والرِّزق في بيته

ولأبي الأسود الدؤلي أو المرزمي:

وعجبت للدُّنيا وحرفة أهلها ... والرِّزق فيما بينهم مقسوم

والأحمق المرزوق أعجب ما أرى ... من أهلها والعاجز المحزوم

ثم انقضى عجبي لعلمي أنَّه ... رزقٌ موافٍ وقته معلوم

وقال آخر:

ليس بالعقل يطلب المرء رزقاً ... كم رأينا من أحمقٍ مرزوق

وأصيل من الرجال نبيلٍ ... سدَّ عنه الحرمان كل طريق

وقال آخر:

الرّزق يأتي قدراً على مهل ... والمرء مطبوعٌ على حبّ العجل

وقال آخر:

يا راكب الهول والآفات والهلكة ... لا تعجلنَّ فليس الرِّزق بالحركة

من غير ربَّك في السَّبع العلى ملكاً ... ومن أدار على أرجائها فلكه

أما ترى البحر والصَّيَّاد تضربه ... أمواجه ونجوم الَّليل مشتبكة

يجرّ أذياله والموج يلطمه ... وعقله بين عينه كلكل السَّمكة

حتَّى إذا راح مسروراً بها فرحاً ... والحوت قد شكّ سفُّود الرَّدى حنكة

أتى إليك به رزقاً بلا تعبٍ ... فصرت تملك منه مثل ما ملكه

لطفاً من الله يعطي ذا بحيلته ... هذا يصيد وهذا يأكل السَّمكة

وقال أبو العتاهية:

طال همِّي بغير ما يعنيني ... وطلابي فوق الَّذي يكفيني

ولو أني كففت لم أبغ رزقي ... كان رزقي هو الذي يبغيني

أحمد الله ذا المعارج شكراً ... ما عليها إلاَّ ضعيف اليقين

وقال آخر:

لعمرك ما كلُّ التعطُّل ضائرٌ ... ولا كل شغلٍ فيه للمرء منفعه

إذا كانت الأرزاق في القرب والنَّوى ... عليك سواءٌ فاغتنم لذَّة الدَّعه

وإن ضقت فاصبر يكشف الله ما ترى ... فياربَّ ضيقٍ في جوانبه سعه

وقال آخر:

هوِّن عليك فإن الأمر مقدور ... وكلّ شيءٍ من الأشياء مسطور

والرِّزق والخلق والآجال قد قسمت ... وأحكمتها وزمَّتها المقادير

فليس يقدر مرءٌ صرف واحدةٍ ... منها ولو كثرت منه التَّدابير

كم من رأيناه ذا مالٍ وذا سعةٍ ... وذا غضارة عيشٍ وهو محبور

لا يعرف الله جهلاً خاطئاً حمقاً ... لولا غناه لعافته الخنازير

لم يركب الهول في قفرٍ ولا لججٍ ... ولا تكلَّف أمراً فيه تغيير

<<  <   >  >>