وقال صلى الله عليه وسلم: " ألا أدلُّكم على شيءٍ يحبُّه الله ورسوله؟ " قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: " المعروف والتَّغابن للضَّعيف ".
قال عيسى عليه السلام: استكثروا من شيء لاتمسّه النار. قالوا: وما هو يا روح الله؟ قال: المعروف.
قال عبد الله بن عباس: ما رأيت رجلاً أوليته معروفاً إلا أضاء مابيني وبينه، ولا رأيت رجلاً فرط إليه مني شيء إلا أظلم ما بيني وبينه.
قال زيد بن علي بن حسين: ما شيء أفضل من المعروف ولا ثوابه ولا كلُّ من رغب فيه يقدر عليه ولا كلّ من قدر عليه يؤذن له فيه، فإذا اجتمعت الرغبة والقدرة والإذن تمت السعادة للطالب والمطلوب منه.
قال ابن عباس: المعروف أيمن زرع، وأفضل كنز، ولا يتم إلا بثلاث خصال: بتعجيله وتصغيره وستره. فإذا عجّل هني، وإذا صغّر فقد عظم، وإذا ستر فقد تمِّم.
قال زهير:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتَّق الشَّتم يشتم
وقال أخر:
إنَّ ابتداء العرف مجدٌ باسقٌ ... والمجد كلُّ المجد في استتمامه
إنَّ الهلال يروق أبصار الورى ... حسناً وليس كحسنه لتمامه
أنشد الزبير بن بكّار:
أبل من شئت تقله ... عن قليلٍ لفعله
ضاع معروف واضع ال ... عرف في غير أهله
قال القاسم بن معن، قال رجل لعون بن عبد الله بن عتبة: ما السخاء؟ قال: التأني للمعروف. قال فما البخل؟ قال: الاستقضاء على الملهوف.
قال ابن عباس لا يزهِّدنك في المعروف كفرٌ من كفر، فإنه يشكرك عليه من لم يصنعه.
كان يقال: في كل شيء سرفٌ إلاّفي المعروف.
قال حبيب:
وإذا امرؤٌ أهدى إليك صنيعةً ... من جاهه فكأنَّها من ماله
كان يقال: لا يزهِّدنك في المعروف دمامة من يسديه إليك، ولا ينبو بصرك عنه، فإن حاجتك في شكره ووفائه لا منظره، وإن لم يكن أهله فكن أنت أهله.
قال الشاعر:
ولم أر كالمعروف أمَّا مذاقه ... فحلوٌ وأمَّا وجهه فجميل
تمثل رجل عند عبد الله بن جعفر بقول الشاعر:
إنَّ الصَّنيعة لا تكون صنيعةً ... حتَّى يصاب بها طريق المصنع
فإذا أصبت صنيعةً فاعمد بها ... لله أو لذوي القرابة أو أودع
فقال عبد الله بن جعفر: هذان البيتان يبخّلان الناس، لا. ولكن أمطر المعروف إمطاراً، فإن أصاب الكرام كانوا له أهلاً، وإن أصاب اللئام كنت له أهلا.
كان يقال: من أسلف المعروف كان ربحه الحمد.
قال عمرو بن العاص: في كل شيءٍ سرفٌ إلا في ابتناء المكارم أو اصطناع معروف، أو إظهار مروءة.
وكان يقال: كما يتوخَّى للوديعة أهل الأمانة والثقة، كذلك ينبغي أن يتوخَّى بالمعروف أهل الوفاء والشكر.
كان يقال: إعطاء الفاجر يقوّيه على فجوره، ومسألة اللئيم إهانة للعرض، وتعليم الجاهل زيادة في الجهل، والصّنيعة عند الكفور إضاعة النعمة، فإذا هممت بشيء من هذا، فارتد الموضع قبل الإقدام على الفعل.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الصَّنيعة لا تكون إلاَّفي ذي حسبٍ أو دين، كما أنَّ الرِّياضة لا تكون إلا في نجيب ".
مكتوب في التوراة:افعل إلى امرئ السُّوء خيراً يجزك شراً.
كان يقال: صاحب المعروف لا يقع، فإذا وقع أصاب متكئاً.
قال الشاعر:
ودون النَّدى في كلِّ قلبٍ ثنيةٌ ... لها منجدٌ حزنٌ ومنحدرٌ سهل
يودُّ الفتى في كلِّ نيلٍ ينيله ... إذا ما انقضى لو أنَّ نائله جزل
كان الحجاج بن يوسف يقول: خير المعروف ما أنعشت به الكرام.
كان يقال: من لم يرب معروفه فكأنه لم يصطنعه.
كان يقال: أحي معروفك بإماتته.
كتب أرسطو طاليس إلى الإسكندر: املك الرعية بالإحسان إليها تظفر بالمحبة منها، وطلبك ذلك منها بالإحسان أدوم بقاء لإحسانك منه باعتسافك، وأعلم أنك إنما تملك الأبدان فتخطَّها إلى القلوب بالمعروف، واعلم أن الرعية إذا قدرت على أن تقول، قدرت على أن تفعل، فاجهد ألاّ تقول تسلم من أن تفعل.
كان يقال: اتق أن يسدّ عنك طريق المعروف بالكفر أو بالمنّ، فإن المنّ يفسد الصنيعة والكفر يمحوها، والشكر يمحوها والشكر يجلب النعمة.
قال الشاعر:
أفسدت بالمنّ ماأوليت من حسنٍ ... ليس الكريم بما أسدى بمنَّان
وقال الحسن بن هانئ: